للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبعد الّذي بالنّعف نعف كويكب... رهينة رمس ذي تراب وجندل؟

ومعنى الآية: كل نفس محبوسة بعملها. ومنه قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «الغلام مرتهن بعقيقته».

بمعنى: لا ينفع والديه إذا لم يعق عنه؛ أي: محبوس عن الشفاعة لوالديه عند الله بكسبها، لا تنفك حتى تؤدي ما عليها من الحقوق، والعقوبات. {إِلاّ أَصْحابَ الْيَمِينِ} أي: الذين يأخذون كتبهم بأيمانهم، أو الذين يؤخذ بهم ذات اليمين، فإنهم غير مرتهنين بذنوبهم في النار؛ لأنهم فكوا رقاب أنفسهم بأعمالهم الحسنة، كما يفك الراهن رهنه بأداء الحق الذي عليه. وجملة القول فيهم: إنهم الذين آمنوا الإيمان الكامل، واجتنبوا الأعمال الموبقات، وحافظوا على الطاعات بقدر استطاعتهم استجابة لأمر ربهم: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} الآية رقم [١٦] من سورة (التغابن).

{فِي جَنّاتٍ يَتَساءَلُونَ} أي: يسأل بعضهم بعضا. {عَنِ الْمُجْرِمِينَ} أي: الذين استحقوا الخلود في النار. قال الجلال: وهذا التساؤل يكون بعد إخراج الموحدين من النار. والمعنى: أن أصحاب اليمين يسألون من أخرجوا من النار عن المجرمين الذين بقوا فيها مخلدين. {ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ:} في المخاطبين بهذا السؤال وجهان: الأول: هم من أخرجوا من النار من الموحدين.

والثاني: هم الكافرون الذين استحقوا الخلود. والسؤال سؤال توبيخ وتقريع على الوجهين، فعلى الأول يسأل بعضهم بعضا، وعلى الثاني يسألون عن غيرهم.

هذا؛ وقيل: يكون السؤال مشافهة للكافرين المخلدين حينما يراهم المؤمنون في النار. قال الكلبي: فيسأل الرجل من أهل الجنة الرجل من أهل النار باسمه، فيقول له: يا فلان! أقول:

وتقول المرأة من أهل الجنة للمرأة من أهل النار: يا فلانة! ما سلكك في سقر؟ وقيل: إن المؤمنين يسألون الملائكة عن أقربائهم، فتسأل الملائكة المشركين، فيقولون لهم: ما سلككم في سقر؟ والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه. هذا؛ و {سَلَكَكُمْ} أدخلكم، وقوله تعالى في سورة (الشعراء) رقم [٢٠٠]: {كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ} أي: أدخلناه. أما قوله تعالى في سورة (نوح) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام: {لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً} فهو بمعنى:

لتتخذوا. هذا؛ والسلك: إدخال الشيء، في الشيء كالخيط في المخيط، والرمح في المطعون.

الإعراب: {كُلُّ:} مبتدأ، وهو مضاف، و {نَفْسٍ} مضاف إليه. {بِما:} جار ومجرور متعلقان ب‍: {رَهِينَةٌ} بعدهما، و (ما): تحتمل الموصولة، والموصوفة. فعلى الأولين مبنية على السكون في محل جر بالباء، والجملة الفعلية بعدها صلتها، أو صفتها، والرابط، أو العائد محذوف، التقدير: بالذي، أو بشيء كسبته، وعلى اعتبارها مصدرية تؤول بما بعدها بمصدر في محل جر بالباء، التقدير: بكسبها. {رَهِينَةٌ:} خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. {إِلاّ:} أداة استثناء. {أَصْحابَ:} مستثنى ب‍: {إِلاّ،} و {أَصْحابَ} مضاف، و {الْيَمِينِ} مضاف إليه. {فِي جَنّاتٍ:} متعلقان بمحذوف حال من {أَصْحابَ الْيَمِينِ،} أو من واو الجماعة في {يَتَساءَلُونَ}

<<  <  ج: ص:  >  >>