على طريق الاتساع، فيكون التقدير: أن تسألوا رسولكم على مثل هذه الحالة؛ لأن حذف الموصول، وإبقاء الصّفة لا يجوز عند سيبويه إلا في مواضع معيّنة، وليس هذا منها.
{وَمَنْ:} الواو: حرف استئناف. ({مِنْ}): اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {يَتَبَدَّلِ:} فعل مضارع فعل الشرط، والفاعل مستتر تقديره: «هو»، يعود إلى (من).
{الْكُفْرَ:} مفعول به. {بِالْإِيمانِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، أو هما متعلقان بمحذوف حال من {الْكُفْرَ} أي: مقابلا، أو مستبدلا بالإيمان. {فَقَدْ:} الفاء: واقعة في جواب الشرط.
(قد): حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال. {ضَلَّ:} فعل ماض والفاعل يعود إلى (من) أيضا.
{سَواءَ:} مفعول به، وقال أبو البقاء: ظرف مكان، وهو مضاف، و {السَّبِيلِ} مضاف إليه، وخبر المبتدأ الذي هو: ({مِنْ}) مختلف فيه، كما رأيت في الآية رقم [٨١] والجملة الاسمية:
{وَمَنْ يَتَبَدَّلِ..}. إلخ مستأنفة لا محل لها من الإعراب.
{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاِصْفَحُوا حَتّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٩)}
الشرح: نزلت الآية الكريمة في نفر من اليهود، وذلك: أنّهم قالوا لحذيفة بن اليمان، وعمّار بن ياسر-رضي الله عنهم-بعد وقعة أحد: لو كنتم على حقّ ما هربتم، فارجعا إلى ديننا، فنحن أهدى سبيلا منكم، فقال عمار-رضي الله عنه-: كيف نقض العهد فيكم؟ قالوا:
شديد. قال: إنّي عاهدت الله ألا أكفر بمحمد صلّى الله عليه وسلّم ما عشت! قالت اليهود: أما هذا فقد صبأ، وقال حذيفة-رضي الله عنه-: أما أنا فقد رضيت بالله ربّا، وبمحمّد رسولا، وبالإسلام دينا، وبالقرآن إماما، وبالكعبة قبلة، وبالمؤمنين إخوانا. ثمّ إنهما أتيا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبراه بذلك، فقال: «أصبتما الخير، وأفلحتما». انتهى خازن.
{وَدَّ:} أحب، وتمنّى. {لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفّاراً:} لو يصيرونكم كفارا مثلهم.
{حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ:} أي: من تلقائهم من غير أن يجدوه في كتاب، ولا أمروا به، ولكن حملتهم نفوسهم الخبيثة على ذلك.
{مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ:} يعني في التّوراة: أنّ قول محمد صلّى الله عليه وسلّم ودينه حقّ، لا يشكّون في أمره، لكن كفروا حسدا، وبغيا. هذا؛ والحسد نوعان: مذموم، وممدوح، فالمذموم: أن يتمنّى العبد زوال نعمة الله عن الناس، وسواء تمنّى أن يستفيد من تلك النعمة أم لا. وهذا النّوع