أقول: و «ضل» أكثر ما يستعمل بمعنى: كفر، وأشرك، وهو ضدّ: اهتدى، واستقام، ومصدره: الضّلال، ويأتي «ضلّ» بمعنى: غاب، كما في قوله تعالى:{وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ} ويأتي بمعنى: خفي، يخفى، قال تعالى في سورة (طه) حكاية عن قول موسى لفرعون: {قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى} رقم [٥٢] وضلّ الشيء: ضاع، وهلك، وضل:
أخطأ في رأيه، ولولا هذا المعنى؛ لكفر أولاد يعقوب، بقولهم في حضرته:{تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ} وقولهم في غيبته: {إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}. وضلّ: تحيّر، وهو أقرب ما يفسر به قوله تعالى في سورة الضّحى:{وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى} وأضل، يضلّ غيره من الرّباعي ومصدره: الإضلال، فهو متعدّ، والثلاثي لازم، ومصدره: الضّلال، وهو الخروج عن جادة الحق، والانحراف عن الصراط المستقيم، وينبغي أن تعلم: أنّ طريق الهدى واحدة، لا اعوجاج فيها، ولا التواء، وأمّا الضّلال؛ فطرقه كثيرة، ومتشعبة، قال تعالى في سورة (يونس) على نبيّنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام:{فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنّى تُصْرَفُونَ} رقم [٣٢] وقال الشاعر الحكيم: [البسيط]
الطّرق شتّى وطرق الحقّ واحدة... والسّالكون طريق الحقّ أفراد
لا يعرفون ولا تدرى مقاصدهم... فهم على مهل يمشون قصّاد
والنّاس في غفلة عمّا يراد بهم... فجلّهم عن سبيل الحقّ رقّاد
الإعراب:{أَمْ:} حرف إضراب، أو هو حرف انتقال، وهي بمعنى: بل، وعليه فهي المنقطعة، لعدم تقدّم الاستفهام عليها. {تُرِيدُونَ:} فعل مضارع مرفوع، والواو فاعله.
{أَنْ:} حرف مصدري، ونصب. {تَسْئَلُوا:} فعل مضارع منصوب ب «أن» وعلامة نصبه حذف النون؛ لأنّه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف للتّفريق. {رَسُولَكُمْ:} مفعول به، والكاف في محل جر بالإضافة، و «أن» والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل نصب مفعول به، وجملة:{تُرِيدُونَ} مبتدأة، أو مستأنفة لا محل لها من الإعراب.
{مُوسى:} نائب فاعل مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف المقصورة للتعذر. {مِنْ قَبْلُ:} متعلقان بالفعل {سُئِلَ} أو هما متعلقان بمحذوف حال من: {مُوسى}. {قَبْلُ} مبني على الضمّ لقطعه عن الإضافة لفظا لا معنى، و (ما) المصدرية، والفعل {سُئِلَ} في تأويل مصدر في محل جر بالكاف، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لمفعول مطلق محذوف، التقدير: إن تسألوا سؤالا مثل سؤال قوم موسى. وهو قول أبي البقاء، وغيره في مثل هذا التّركيب. ومذهب سيبويه في مثله النصب على الحال من المصدر المفهوم من الفعل المتقدّم