للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإشارة، والهاء مفعول به، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة لا محلّ لها على الاعتبارين. {وَما:} الواو: حرف عطف. (ما): اسم موصول مبني على السكون في محل رفع معطوف على: {إِفْكُهُمْ،} وعلى اعتبار: {إِفْكُهُمْ} فعلا ماضيا، فهو معطوف على ذلك. وقيل: على المضمر المرفوع في الفعل: (أفكهم)، ويحسن ذلك للتفرقة بالمضمر المنصوب بينهما، فقام مقام التأكيد. انتهى. مكي. {كانُوا:} ماض ناقص، والواو اسمه، والألف للتفريق، وجملة: {يَفْتَرُونَ} في محل نصب خبر: (كان). والجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها، والعائد محذوف، التقدير: وذلك إفكهم والذي كانوا يفترونه.

هذا؛ وأجاز الجلال اعتبار (ما) مصدرية، وموصولة، ورجح سليمان الجمل المصدرية؛ ليعطف مصدر على مثله، ويكون التقدير: وذلك إفكهم، وافتراؤهم. تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم.

{وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩)}

الشرح: {وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً..}. إلخ، قال القرطبي: هذا توبيخ لمشركي قريش؛ أي: إن الجن سمعوا القرآن، فآمنوا به، وعلموا: أنه من عند الله، وأنتم معرضوان مصرون على الكفر!! ومعنى {صَرَفْنا:} وجهنا إليك، وبعثنا. قال المفسرون: ابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وغيرهم: لما مات أبو طالب خرج النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى الطائف يلتمس من ثقيف النصرة، فقصد عبد ياليل، ومسعودا، وحبيبا، وهم إخوة ثلاثة (بنو عمرو بن عمير) وعندهم امرأة من قريش، من بني جمح، فدعاهم إلى الإسلام، وسألهم أن ينصروه على قومه، فقال أحدهم: هو يمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك! وقال الاخر: ما وجد الله أحدا يرسله غيرك؟! وقال الثالث:

والله لا أكلمك كلمة أبدا، إن كان الله أرسلك كما تقول، فأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام، وإن كنت تكذب، فما ينبغي لي أن أكلمك.

فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذ فعلتم ما فعلتم؛ فاكتموا عليّ» (وكره أن يبلغ قومه، فيزيد ذلك في تجرؤهم عليه) فلم يفعلوا، وأغروا به سفهاءهم، وعبيدهم، فجعلوا يسبونه، ويصيحون به، ويرجمونه بالحجارة، حتى اجتمع الناس عليه، وألجؤوه إلى حائط (بستان) لعتبة وشيبة ابني ربيعة، وهما فيه ينظران إليه، وقد لقي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تلك المرأة، التي من بني جمح، فقال لها:

«ماذا لقينا من أحمائك؟». ثم قال: «اللهمّ إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس. يا أرحم الراحمين! أنت ربّ المستضعفين، وأنت ناصر المظلومين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهّمني؟! أو إلى عدوّ ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب عليّ فلا

<<  <  ج: ص:  >  >>