أقسم الله بهذه الأشياء لشرفها، ولله أن يقسم بما يشاء من خلقه، والمخلوق لا ينبغي أن يقسم إلا بالخالق، ومثل ذلك في أول (الذاريات)، وأول (المرسلات) أو يكون التقدير: ورب هذه الأشياء وجواب القسم محذوف، تقديره: لتبعثن ولتحاسبن. وقيل: جوابه {إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى} الآية الآتية. قال ابن هشام في المغني: وفيه بعد. وقيل: هو قوله تعالى: {قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ}.
أقول: والمعتمد الوجه الأول، وهو أن المراد بالنازعات وما عطف عليه الملائكة، وإنما جاءت هذه الأقسام بلفظ التأنيث، والكل وصف للملائكة مع أنهم ليسوا إناثا؛ لأن المقسم به طوائف من الملائكة، فكأنه قيل: وطوائف الملائكة النازعات، والطوائف: جمع: طائفة، وهي مؤنثة.
الإعراب:{وَالنّازِعاتِ:} جار ومجرور متعلقان بفعل محذوف، تقديره: أقسم بالنازعات، أو التقدير: أقسم برب النازعات. {غَرْقاً:} مفعول مطلق عامله ما قبله، لملاقاته له في المعنى على حذف الزوائد؛ إذ الأصل: والنازعات إغراقا، أو هو منصوب على الحال على حذف مضاف؛ إذ التقدير: ذوات إغراق، والأسماء الآتية كلها معطوفة على (النازعات) و {نَشْطاً} و {سَبْحاً} و {سَبْقاً} مفعول مطلق لا غير. {أَمْراً:} مفعول به لما قبله، وفي كل الأسماء المتقدمة ضمير مستتر هو الفاعل. تأمل، وتدبر، وربك أعلم. هذا؛ وانظر حكم الفاء في أول سورة (المرسلات).
الشرح:{يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ} يعني: النفخة الأولى، يتزلزل، ويتحرك لها كل شيء، ويموت منها جميع الخلق. هذا؛ والإسناد إليها مجازي؛ لأنها سببه، كقوله تعالى في سورة (المزمل):
{يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ}. هذا؛ وقال القرطبي.
وليست الرجفة ها هنا من الحركة فقط، بل من قولهم: رجف الرعد، يرجف رجفا، ورجيفا؛ أي: أظهر الصوت، والحركة، ومنه سميت الأراجيف؛ لاضطراب الأصوات بها، وإفاضة الناس فيها. قال منازل بن ربيعة المنقري في هجو رؤبة بن العجاج:[البسيط]
أبا لأراجيف يابن اللّؤم توعدني... وفي الأراجيف خلت اللّؤم والخورا
{تَتْبَعُهَا الرّادِفَةُ} أي: النفخة الثانية ردفت الأولى، وبينهما أربعون سنة. قال ابن عباس، وقتادة، والحسن-رضي الله عنهم-: هما الصيحتان: الأولى تميت كل شيء بإذن الله تعالى،