للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجد صبيا؟! و {صَبِيًّا} حال من الضمير في {كانَ}. الثالث: أنها بمعنى: صار؛ أي: كيف نكلم من صار في المهد صبيا، و {صَبِيًّا} على هذا خبرها. الرابع: أنها الناقصة على بابها من دلالتها على اقتران مضمون الجملة بالزمان الماضي من غير تعرض للانقطاع، كقوله تعالى:

{وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً} ولذلك يعبر عنها بأنها ترادف (لم يزل). انتهى. جمل.

وقال ابن الأنباري: لا يجوز أن يقال: زائدة، وقد نصبت {صَبِيًّا،} ولا أن يقال: بمعنى:

«حدث»؛ لأنه لو كانت بمعنى: الحدوث، والوقوع؛ لاستغنى فيه عن الخبر، تقول: كان الحر، وتكتفي به، والصحيح أن {مَنْ} في معنى الجزاء، و {كانَ} بمعنى: يكن، التقدير: من يكن في المهد صبيا، فكيف نكلمه. انتهى. قرطبي. وأطال الكلام في الاستدلال لما قاله. هذا؛ وذكر أبو البقاء هذا القول، وضعفه بقوله: وقيل: {مَنْ} شرطية، وجوابها {كَيْفَ}. انتهى. أقول:

وضعفه ظاهر، والمعنى يأباه، والمعتمد: أنها على بابها من النقصان.

{قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠)}

الشرح: {قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ:} قيل كان عيسى-على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-يرضع، فلما سمع كلام اليهود لأمه ترك الرضاعة، وأقبل عليهم بوجهه. وقال: إني عبد الله. وقال وهب: أتاها زكريا عليه السّلام عند مناظرتها اليهود، فقال لعيسى: انطق بحجتك؛ إن كنت أمرت بها، فقال: عند ذلك عيسى، وهو ابن أربعين يوما. وقيل: بل يوم ولد: إني عبد الله، أقر على نفسه بالعبودية لله تعالى أول ما تكلم لئلا يتخذ إلها. انتهى. هذا؛ وإنما نطق بذلك، وإن كانت الحاجة أشد ليزيل التهمة عن أمه، ليزيل التهمة عن الله باتخاذ الولد، وإزالة التهمة عن الله إزالة للتهمة عن أمه بطريق الأولى؛ لأن ابن الزنى لا ينطق وهو صبي.

{آتانِيَ الْكِتابَ} أي: الإنجيل. {وَجَعَلَنِي نَبِيًّا:} قيل: معناه سيجعلني نبيا، ويؤتيني الكتاب، وهذا إخبار عما كتب في اللوح المحفوظ في قديم الأزل، كما قيل للنبي صلّى الله عليه وسلّم: «متى كنت نبيّا؟ قال: كنت نبيّا، وآدم بين الروح والجسد». وقال الأكثرون: إنه، أوتي الإنجيل، وهو صغير، وكان يعقل عقل الرجال الكمل، وذكرت لك في الآية رقم [١١] أن يحيى عليه السّلام أعطي النبوة، وهو صبي كذلك.

الإعراب: {قالَ:} ماض، وفاعله يعود إلى عيسى. {إِنِّي:} حرف مشبه بالفعل، وياء المتكلم اسمها. {عَبْدُ:} خبرها، و {عَبْدُ} مضاف، و {اللهِ} مضاف إليه، والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول. {آتانِيَ:} ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر، والفاعل يعود إلى {اللهِ،} والنون للوقاية، وياء المتكلم مفعول به أول. {الْكِتابَ:} مفعول به ثان، والجملة الفعلية في محل نصب حال من {اللهِ،} والرابط رجوع الفاعل فقط، و «قد» قبلها مقدرة، وجملة: {وَجَعَلَنِي نَبِيًّا} معطوفة، وهي مثلها في إعرابها ومحلها، وجملة: {قالَ..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها.

<<  <  ج: ص:  >  >>