للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦)}

الشرح: {وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ}: وهذا بعد أن عذبوه بأنواع العذاب، واضطهدوه، يروى: أن رجلا من قومه حمل ابنه على كتفه، فلما رأى الصبي نوحا عليه السّلام، قال لأبيه: أعطني حجرا، فأعطاه حجرا، ورمى به نوحا، فأدماه، فأوحى الله تعالى إليه: {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ..}. إلخ وكان كلما تمادوا في المعصية، واشتد عليه منهم البلاء؛ صبر على إيذائهم، وكان ينتظر الجيل من قومه بعد الجيل، فلا يأتي قرن إلا كان أنحس من الذي قبله، ولقد كان القرن الآخر منهم يأتي، فيقول: قد كان هذا الشيخ مع آبائنا وأجدادنا هكذا مجنونا، فلا يقبلون منه شيئا، فشكا نوح عليه السّلام إلى الله، فقال: {رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً..}. إلخ الآيات من سورة نوح هذا؛ والوحي: الإشارة، والكتابة، والرسالة، والإلهام، والكلام الخفي، وكل ما ألقيته إلى غيرك، والوحي الكتاب المنزل على الرسول المرسل لقومه، مثل: موسى، وعيسى، ومحمد صلّى الله عليه وسلّم أجمعين وسلم تسليما كثيرا. {فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ} أي: فلا تغتمّ بسوء صنيعهم، فإنهم هالكون. والبؤس: الحزن، ومنه قول الشاعر: [الطويل]

وكم من خليل، أو حميم رزئته... فلم أبتئس، والرّزء فيه جليل

يقال: ابتأس الرجل: إذا بلغه شيء يكرهه، والابتئاس حزن في استكانة.

الإعراب: {وَأُوحِيَ}: الواو: حرف عطف. (أوحي): ماض مبني للمجهول. {إِلى نُوحٍ}:

متعلقان بالفعل قبلهما. {أَنَّهُ}: حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمه. {لَنْ}: حرف ناصب.

{يُؤْمِنَ}: مضارع منصوب ب‍ {لَنْ}. {مِنْ قَوْمِكَ}: متعلقان بالفعل قبلهما، والكاف في محل جر بالإضافة. {إِلاّ}: حرف حصر. {يُؤْمِنَ}: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل:

{يُؤْمِنَ،} وجملة: {قَدْ آمَنَ} صلة الموصول لا محل لها، والعائد رجوع الفاعل إليه، و (أنّ) واسمها وخبرها في تأويل مصدر في محل رفع نائب فاعل (أوحي)، هذا؛ وقرئ بكسر همزة «(إنه)» وفيه وجهان: أحدهما: وهو قول البصريين: أنه على إضمار القول، والثاني وهو قول الكوفيين أنه على إجراء الإيحاء مجرى القول. انتهى. سمين. وعليه فنائب الفاعل هو متعلق {إِلى نُوحٍ} كما قرئ «(أَوْحَى)» بالبناء للمعلوم، فيكون الفاعل عائدا، إلى الله، والمصدر المؤول من {أَنَّهُ..}. إلخ في محل جر بحرف جر محذوف، التقدير: بأنه، وعلى قراءة «(إنه)» بالكسر يجري فيه الوجهان المذكوران عن البصريين، والكوفيين، وجملة (أوحي...) إلخ معطوفة على ما قبلها، أو مستأنفة لا محل لها. {فَلا} الفاء: هي الفصيحة، وانظر الآية رقم [١٧] (لا): ناهية. {تَبْتَئِسْ}: مضارع مجزوم ب‍ (لا) الناهية، والفاعل مستتر تقديره: «أنت»، هذا؛ وإعراب: {بِما كانُوا يَفْعَلُونَ} مثل

<<  <  ج: ص:  >  >>