للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سقاهم الموت كأسا غير صافية... صيّرهم تحت أطباق الثّرى رهنا

الإعراب: {كُلُّ:} مبتدأ: وهو مضاف، و {نَفْسٍ} مضاف إليه. {ذائِقَةُ:} خبر المبتدأ، وهو مضاف، و {الْمَوْتِ:} مضاف إليه، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه، والجملة الاسمية مستأنفة لا محل لها. {ثُمَّ:} حرف عطف. {إِلَيْنا:} جار ومجرور متعلقان بالفعل بعدهما. {تُرْجَعُونَ:} فعل مضارع مبني للمجهول، وهو يقرأ بالتاء والياء مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها، فهو عطف جملة فعلية على جملة اسمية.

{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (٥٨)}

الشرح: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ:} وقرئ بالياء، كما قرئ: «(لنثوينّهم)» من الثوي وهو الإقامة؛ أي: لنعطينهم غرفا يثوون فيها، والمعنى: على الأول: لننزلنهم، يقال:

بوأته منزلا، وبوأت له، كما يقال: مكنتك ومكنت لك، والمبوأ المنزل الملزوم، ومنه بوأه الله منزلا، أي: ألزمه إياه، وأسكنه فيه، قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النار». أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه.

{مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً:} جمع: غرفة، وهي الدرجة الرفيعة، وهي أعلى منازل الجنة، وأفضلها، كما أن الغرفة أعلى مساكن الدنيا، وتجمع أيضا على غرفات كما في قوله تعالى: {وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ} الآية رقم [٣٧] من سورة (سبأ)، وفي صحيح مسلم عن سهل بن سعد: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ أهل الجنّة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم، كما تتراءون الكوكب الدّرّيّ الغابر من الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم». قالوا: يا رسول الله! تلك منازل الأنبياء، لا يبلغها غيرهم؟ قال: «بلى والّذي نفسي بيده! رجال آمنوا بالله، وصدّقوا المرسلين». وخرج الترمذي عن علي بن أبي طالب-رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:

«إنّ في الجنّة لغرفا يرى ظهورها من بطونها، وبطونها من ظهورها». فقام إليه أعرابيّ. فقال:

لمن هي يا رسول الله؟! قال: «هي لمن أطاب الكلام، وأطعم الطّعام، وأدام الصّيام، وصلّى لله باللّيل، والنّاس نيام».

هذا؛ وعطف العمل الصالح على الإيمان في الآية الكريمة وغيرها يوحي بأن العمل قرين الإيمان، وقد لا يجدي الإيمان بلا عمل، وهو ما أفاده قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «الإيمان والعمل قرينان، لا يقبل الله أحدهما بدون صاحبه». كما أن الإيمان مشروط لقبول العمل الصالح، ويسمى هذا في علم البديع: احتراسا.

<<  <  ج: ص:  >  >>