سورة الأحزاب، وهي مدنية بالاتفاق، وهي ثلاث وسبعون آية، وألف ومائتان وثمانون كلمة، وخمسة آلاف، وسبعمائة، وتسعون حرفا. انتهى. خازن، وسميت سورة الأحزاب؛ لأن المشركين تحزبوا على المؤمنين من جميع الجهات، كما ستعرفه مفصلا بعونه تعالى.
نزلت السورة الكريمة بشأن غزوة الأحزاب الشهيرة بغزوة الخندق، وبيان خبث بني قريظة، الذين نقضوا عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وبيان عقاب الله، وانتقامه منهم، وكشفت النقاب عن خبث المنافقين، وإيذائهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وطعنهم فيه وفي مناكحته.
وكانت هذه السورة تعدل سورة (البقرة)، وكانت فيها آية الرجم، ولفظها:«الشّيخ والشّيخة إذا زنيا، فارجموهما البتّة نكالا من الله، والله عزيز حكيم». ذكره أبو بكر الأنباري عن أبي بن كعب-رضي الله عنه-وهذا يحمله أهل العلم على أن الله تعالى رفع من هذه السورة ما يزيد على ما في أيدينا منها، وأن آية الرجم المذكورة رفع لفظها، وحكمها باق إلى يوم القيامة.
فعن عروة بن الزبير عن عائشة-رضي الله عنهما-قالت: كانت سورة الأحزاب تعدل على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مائتي آية، فلما كتاب المصحف لم يقدر منها إلا على ما هي الآن. وقال أبو بكر بن الأنباري: فمعنى هذا من قول أم المؤمنين عائشة: أن الله رفع إليه من سورة الأحزاب ما يزيد على ما عندنا، انتهى. وهذا؛ وجه من وجوه النسخ التي ذكرتها في الآية رقم [١٠٦] من سورة (البقرة)، وهذا الوجه مما نسخ لفظه، وبقي حكمه.
وروي عن زرّ بن حبيش قال: قال لي أبيّ بن كعب-رضي الله عنه-: كم تعدون سورة الأحزاب؟ قلت: ثلاثا وسبعين آية، قال: فو الذي يحلف به أبيّ بن كعب أن كانت لتعدل سورة (البقرة)، أو أطول، ولقد قرأنا منها آية الرجم:«الشيخ والشيخة...» إلخ أراد أبيّ: أن ذلك من جملة ما نسخ من القرآن، وأما ما يحكى من أن تلك الزيادة كانت في صحيفة في بيت عائشة، فأكلتها الداجن، فمن تأليفات الملاحدة، والروافض.
هذا؛ والمراد بالشيخ: الرجل المتزوج، وبالشيخة: المرأة المتزوجة، وإن كانا في سن قبل العشرين سنة، ولقد روي: أن الفاروق-رضي الله عنه-خطب على المنبر، فقال: أيها الناس إن الله بعث محمدا بالحق، وأنزل عليه كتابا هاديا للناس، بشيرا، ونذيرا، وكان فيما أنزل عليه:
«الشيخ والشيخة... إلخ» فقرأناها، ووعيناها، ثم قال: إني خشيت أن يطول بالناس زمان، فيقول قائل: لا نجد الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، ألا وإن الرجم حق لمن زنى، وقد أحصن.