هذا؛ والفعل: «أتى» يستعمل لازما؛ إن كان بمعنى: حضر، وأقبل، ومتعديا؛ إن كان بمعنى: وصل، وبلغ، ومنه هذه الآية، ومن الأول قوله تعالى: {أَتى أَمْرُ اللهِ..}. إلخ، ومثله فعل: جاء بالمعنيين، فمن مجيئه لازما قوله تعالى: {إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ،} ومن مجيئه متعديا قوله تعالى: {إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ..}. إلخ. أما النبأ؛ فهو الخبر وزنا، ومعنى، ويقال:
النبأ أخص من الخبر؛ لأن النبأ لا يطلق إلا على كل ما له شأن، وخطر من الأنباء. وقال الراغب: النبأ: خبر ذو فائدة، يحصل به علم، أو غلبة ظن. ولا يقال للخبر في الأصل: نبأ، حتى يتضمن هذه الأشياء الثلاثة، وحقه أن يتعرى عن الكذب، كالمتواتر، وخبر الله تعالى، وخبر الرسول صلّى الله عليه وسلّم. هذا؛ والفعل منه من الأفعال التي تنصب ثلاثة مفاعيل، وقد يجيء الفعل منه غير مضمن معنى: أعلم، فيتعدى لواحد بنفسه، وللآخر بحرف الجر، كما في قوله تعالى:
{وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ} رقم [١٤] من سورة (المائدة).
تنبيه: لقد اختلف بشأن الخصمين، وكيف جمعا بواو الجماعة بالأفعال الثلاثة: (تسوروا، دخلوا، قالوا). فجمعا؛ لأن الخصم مصدر يدل على الجمع، فجمع على المعنى، وتقديره:
ذوو الخصم. وأما شأنهما، فقيل: هما إنسيّان. وقيل: هما ملكان، قاله جماعة، وعيّنهما جماعة، فقالوا: إنهما جبريل، وميكائيل، عليهما الصلاة والسّلام. وقيل: هما ملكان في صورة إنسيين، بعثهما الله إليه في يوم عبادته، فمنعهما الحرس الدخول، فتسورا المحراب عليه، فما شعر وهو في الصلاة إلا وهما بين يديه جالسان. انتهى. قرطبي.
الإعراب: {وَهَلْ:} الواو: حرف استئناف. (هل): حرف استفهام، وتعجيب، وتشويق.
{أَتاكَ:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر. والكاف مفعول به. {نَبَأُ:}
فاعله، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها، و {نَبَأُ} مضاف، و {الْخَصْمِ} مضاف إليه.
{إِذْ:} ظرف لما مضى من الزمان مبني على السكون في محل نصب متعلق بمحذوف، التقدير:
هل أتاك نبأ تحاكم الخصم، أو بالخصم نفسه. واستبعدوا تعليقه بالفعل: أتى، أو ب: {نَبَأُ} إلا على تأويل بعيد. {تَسَوَّرُوا:} فعل ماض، وفاعله، والألف للتفريق. {الْمِحْرابَ:} مفعول به، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {إِذْ} إليها.
{إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاِهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (٢٢)}
الشرح: {إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ:} لأنهما أتياه ليلا في غير وقت دخول الخصوم.
وقيل: لدخولهم عليه بغير إذنه. وقيل: لأنهم تسوروا عليه المحراب، ولم يأتوه من الباب.
وكان المحراب من الامتناع بالارتفاع بحيث لا يرتقي عليه آدمي إلا بجهد شديد، وتعاون كبير بين عدد كثير من الناس. فقال: ما أدخلكما علي؟ قالا: {لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ}