للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ:} لتسكنوا فيه، وتستريحوا من عناء النهار. {وَالنَّهارَ} أي: لتبتغوا فيه من فضله معاشكم بالسعي له، قال تعالى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ}. هذا؛ وإن الليل والنهار يتعاقبان في الضياء والظلمة، والزيادة والنقصان، وذلك من إنعام الله على عباده، وفيه عبرة لأولي الألباب، كما قال تعالى: {يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ} وانظر شرحهما في الآية رقم [٦٧] من سورة (يونس) عليه السّلام، وانظر دأبا في الآية رقم [٤٧] من سورة (يوسف) على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام.

الإعراب: {وَسَخَّرَ:} الواو: حرف عطف. (سخر): ماض، والفاعل يعود إلى الموصول.

{لَكُمُ:} متعلقان بما قبلهما. {الشَّمْسَ:} مفعول به. (القمر): معطوف على ما قبله. {دائِبَيْنِ:}

حال من {الشَّمْسَ} و {وَالْقَمَرَ} منصوب، وعلامة نصبه الياء نيابة عن الفتحة؛ لأنه مثنى، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، وغلب القمر؛ لأنه مذكر، والجملة الفعلية: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ:} معطوفة على جملة الصلة لا محل لها مثلها، والجملة الثانية معطوفة عليها أيضا.

{وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفّارٌ (٣٤)}

الشرح: {وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ:} لما ذكر الله النعم العظام التي أنعم الله بها على عباده، وسخرها لهم وذكر ذلك في الآيتين السابقتين، بيّن في هذه: أنه سبحانه لم يقتصر على تلك النعم بل أعطى عباده من المنافع والمرادات ما لا يأتي على بعضها العد والحصر، و {مِنْ} الجارة معناها التبعيض، وأجيز في: {ما} الموصولة، والموصوفة، والمصدرية، وأيضا النفي، وعليه فالمعنى يكون: وآتاكم من كل ما سألتموه، ومن كل ما لم تسألوه، فحذف الثاني، فلم نسأله سبحانه شمسا ولا قمرا، ولا كثيرا من نعمه التي ابتدأنا بها. وقيل: {مِنْ} زائدة؛ أي:

أتاكم كل ما سألتموه. {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها} أي: نعم الله لا تحصوها؛ ولا تطيقوا عدها لكثرتها، كالسمع، والبصر، وتقويم الصور، إلى غير ذلك من المال، والولد، والعافية، وأضر هذه النعم لوجود كل مخلوق وحياته الماء، والهواء، وهما أرخص كل الأشياء.

وأجل هذه النعم نعمة الإيمان لمن هداه الله، ووفقه له، وعمل بمقتضاه، وينبغي أن تعلم: أنّ الإنسان مهما عمل من الصالحات، وعبد الله تعالى لا يوفي حق أصغر هذه النعم، فعن أنس بن مالك-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «يخرج لابن آدم يوم القيامة ثلاثة دواوين: ديوان فيه العمل الصالح؛ وديوان فيه ذنوبه، وديوان فيه النّعم من الله عليه، فيقول الله عز وجل لأصغر نعمة، أحسبه قال: -في ديوان النّعم: خذي ثمنك من عمله الصّالح فتستوعب عمله الصالح، ثمّ تنحّى، وتقول: وعزّتك ما استوفيت! وتبقى الذنوب والنّعم، وقد ذهب العمل الصّالح، فإذا أراد الله أن يرحم عبدا، قال: يا عبدي قد ضاعفت لك حسناتك، وتجاوزت عن سيّئاتك-أحسبه قال: -

<<  <  ج: ص:  >  >>