للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ (٧٧) ?????? U}

الشرح: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ:} يستبدلون. ففيه استعارة تبعية، فالاشتراء مستعار للاستبدال، فعبر عنه بالاشتراء؛ لأن الشراء إنما يكون فيما يحبّه مشتريه. {بِعَهْدِ اللهِ:} بما عهد إليهم في التوراة من الإيمان بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم، ومن الوفاء بالأمانات؛ التي عهد عليهم فيها.

{وَأَيْمانِهِمْ:} بما حلفوا به من قولهم: لنؤمننّ به، ولننصرنّه. {ثَمَناً قَلِيلاً:} عرض الدنيا؛ إذ كل ما فيها قليل، لا قيمة له بجانب الآخرة. {أُولئِكَ} الموصوفون بما ذكر. {لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ:} لا نصيب لهم في الآخرة، ونعيمها الدائم، وسعادتها الأبدية. {وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ} أي: تكليم رضا، ورحمة، وإنّما يكلّمهم تكليم سخط، وغضب، مثل قوله تعالى: {اِخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ}. {وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ} أي: نظر رحمة، ورضا، وإنّما ينظر إليهم نظر سخط. ومقت، وكلّ إنسان، وكلّ مخلوق في هذا الكون لا يعزب عن علم الله أبدا. وقيل:

المراد به هنا: الإعراض؛ لأن من سخط على غيره، واستهان به؛ أعرض عنه، وعن التكلّم معه، والالتفات إليه، والمرضي عنه بالعكس. و {يَوْمَ الْقِيامَةِ:} هو اليوم الذي يخرج الناس فيه من قبورهم للحساب والجزاء. وأصل القيامة: القوامة، قلبت الواو ياء؛ لانكسار ما قبلها.

{وَلا يُزَكِّيهِمْ:} لا يطهّرهم من دنس الذنوب بالعذاب المنقطع، إلى النعيم الدائم، بل يخلدهم في النار. {وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ:} مؤلم.

بعد هذا قال عكرمة-رحمه الله تعالى-: نزلت هذه الآية في أحبار اليهود، ورؤسائهم: أبي رافع، وكنانة بن أبي الحقيق، وكعب بن الأشرف، وحيي بن أخطب؛ الّذين كتموا ما عهد الله إليهم في التوراة في شأن النبي صلّى الله عليه وسلّم، فبدلوه، وكتبوا بأيديهم غيره، وحلفوا: أنه من عند الله، لئلا تفوتهم الرّشا، والمآكل؛ التي كانوا يأخذونها من أتباعهم، وسفلتهم.

وقال القرطبيّ-رحمه الله تعالى-: روى الأئمة عن الأشعث بن قيس-رضي الله عنه-.

قال: كان بيني وبين رجل من اليهود أرض، فجحدني، فقدّمته إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل لك بينة؟» قلت: لا، قال لليهودي: احلف، قلت: إذا يحلف. فيذهب بمالي. فأنزل الله تعالى الآية. بعد هذا أقول: الآية تعمّ كل واحد يفعل شيئا من ذلك إلى يوم القيامة؛ لأن خصوص السبب، لا يمنع التعميم. وخذ ما يلي:

فعن أبي أمامة-رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من اقتطع حقّ امرئ مسلم بيمينه؛ فقد حرّم الله عليه الجنّة، وأوجب له النّار». فقالوا: يا رسول الله! وإن كان شيئا يسيرا؟! «قال:

وإن كان قضيبا من أراك». أخرجه مسلم. وعن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من حلف على مال امرئ مسلم، بغير حقّه؛ لقي الله؛ وهو عليه غضبان».

<<  <  ج: ص:  >  >>