للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٦٧)}

الشرح: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ:} انظر الآية رقم [٤١]. المناسبة: لمّا حذّر الله تعالى من موالاة الكافرين في الآيات السابقة، وكانت رسالته صلّى الله عليه وسلّم تتضمّن الطّعن في أحوال الكفارة، والمخالفين، وعقائدهم، وهذا يستدعي مناصبتهم العداء له، ولأصحابه، وأتباعه؛ أمره الله في هذه الآيات بتبليغ الدّعوة، ووعده بالحفظ، والنّصرة، ثمّ ذكر طرفا من عقائد أهل الكتاب الفاسدة، وبخاصة النّصارى الذين يعتقدون بألوهيّة عيسى، وأنّه ثالث ثلاثة، وردّ عليهم بالدّليل القاطع، والبرهان السّاطع.

{بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ:} روي عن الحسن البصري-رضي الله عنه-: أنّ الله تعالى لمّا بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بدين الحقّ؛ ضاق ذرعا، وعرف: أنّ من الناس من يكذّبه، فأنزل الله هذه الآية. وقيل: نزلت في عيب اليهود، وذلك: أنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم دعاهم إلى الإسلام، فقالوا:

أسلمنا قبلك، وجعلوا يستهزءون به، ويقولون: تريد أن نتخذك حنانا، كما اتّخذت النصارى عيسى حنانا! فلمّا رأى-أي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم-ذلك منهم؛ سكت، فأنزل الله هذه الآية، وأمره أن يقول لهم: {يا أَهْلَ الْكِتابِ..}. إلخ. وقيل: نزلت في أمر الجهاد، وذلك: أنّ المنافقين كرهوه، فكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يمسك في بعض الأحايين عن الحثّ على الجهاد؛ لما علم من كراهية بعضهم له، فأنزل الله هذه الآية. والمعنى: بلّغ جميع ما أمرت بتبليغه غير مراقب أحدا، ولا خائف مكروها. فدلّت الآية الكريمة على ردّ قول من قال: إنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كتم شيئا من أمر الدين تقيّة، وعلى بطلانه، وهم الشيعة. ودلّت أيضا على أنّه صلّى الله عليه وسلّم لم يسرّ إلى أحد شيئا من أمر الدّين؛ لأنّ المعنى: بلغ جميع ما أنزل إليك ظاهرا، ولولا هذا ما كان في قوله عزّ وجل: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ} فائدة، وانظر شرح: {فَإِنْ لَمْ} في الآية رقم [٩١] من سورة (النّساء).

قال البخاريّ-رحمه الله تعالى-عند تفسير هذه الآية: عن عائشة-رضي الله عنها-قالت:

من حدّثكم: أنّ محمدا صلّى الله عليه وسلّم كتم شيئا ممّا أنزل الله عليه؛ فقد كذب، والله يقول: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ}. وفي الصّحيحين عنها أيضا: أنّها قالت: لو كان محمد كاتما شيئا من القرآن؛ لكتم هذه الآية: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ} إلخ رقم [٣٧] من سورة (الأحزاب).

انظر شرحها هناك. فإنّه جيد، والحمد لله. هذا؛ وفي الآية تأديب للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وتأديب لحملة العلم من أمّته، وقد قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «من سئل عن علم، فكتمه؛ ألجم يوم القيامة بلجام من نار». رواه أبو داود، والترمذي عن أبي هريرة-رضي الله عنه-.

وقال ابن أبي حاتم: عن هارون بن عنترة عن أبيه؛ قال: كنت عند ابن عبّاس-رضي الله عنهما-فجاء رجل، فقال له: إنّ ناسا يأتوننا، فيخبروننا: أنّ عندكم شيئا لم يبده رسول الله صلّى الله عليه وسلّم

<<  <  ج: ص:  >  >>