للناس، فقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: ألم تعلم أنّ الله تعالى قال: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ..}. إلخ. والله ما ورّثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سوداء في بيضاء!.
وفي صحيح البخاري عن وهب بن عبد الله السوائي؛ قال: قلت لعليّ بن أبي طالب-رضي الله عنه-: هل عندكم شيء من الوحي ممّا ليس في القرآن؟ فقال: لا والذي فلق الحبّة، وبرأ النّسمة إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن، وما في هذه الصّحيفة. قلت: وما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر. ومعنى العقل: الدية.
{وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ:} يحفظك، ويرعاك من الكافرين، ويمنعك منهم، فلا يقدر أحد يريدك بالقتل، وإن حصل له بعض الأذى من المشركين كشجّ رأسه، وكسر رباعيّته صلّى الله عليه وسلّم يوم أحد، وتعرّضهم له بالأذى. وقد يجاب عن ذلك بأنّ ما حصل كان قبل نزول الآية الكريمة، وخذ ما يلي:
وذلك: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غزا بني محارب، وبني أنمار، فنزلوا منزلا، ولا يرون من العدوّ أحدا، فوضع المسلمون السّلاح، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لحاجة حتّى قطع الوادي، فحال السّيل بين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبين أصحابه، فجلس تحت شجرة، فبصر به غورث بن الحارث المحاربي، فقال: قتلني الله؛ إن لم أقتله، ثمّ انحدر من الجبل، ومعه السّيف، ولم يشعر به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، إلا وهو قائم على رأسه، وقد سلّ السيف من غمده، وقال: يا محمد! من يمنعك مني الآن؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«الله عزّ وجل!» ثمّ قال: «اللهم اكفني غورث بن الحارث بما شئت!» فأهوى غورث بالسّيف؛ ليضرب به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأكبّ لوجهه من زلقة زلقها. فبدر السّيف من يده.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخذ السّيف، وقال:«من يمنعك منّي الآن يا غورث؟!» فقال: لا أحد! كن خير آخذ يا محمّد! فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّي رسول الله؟» قال: لا، ولكن أشهد أن لا أقاتلك، ولا أعين عليك عدوّا. فأعطاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سيفه، فقال: لأنت خير منّي، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«أجل أنا أحقّ بذلك منك». فرجع إلى قومه، وقال لهم: جئتكم من عند خير الناس، وذكر لهم حاله مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وسكن الوادي، فقطع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الوادي إلى أصحابه، وأخبرهم الخبر.
{إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي..}. إلخ: قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: معناه: لا يرشد من كذّبك، وأعرض عنك. وقال ابن جرير الطّبري: معناه: إنّ الله لا يوفق للرّشد من حاد عن سبيل الحقّ، وجار عن قصد السبيل، وجحد ما جئت به من عند الله، ولم ينته إلى أمر الله، وطاعته فيما فرض عليه، وأوجبه.
وعن أنس بن مالك-رضي الله عنه-قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحرسه بعض أصحابه ليلا حتى نزلت الآية الكريمة، فأخرج رأسه من قبّة أدم، فقال:«انصرفوا أيّها النّاس! فقد عصمني الله من النّاس». رواه الحاكم، وأخرجه الترمذيّ عن عائشة-رضي الله عنها-.