الدنيا: من أنت؟ ومن أي قبيلة أنت؟ وقوله تعالى في سورة (المؤمنون) رقم [١٠٢]: {فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ} يوضح هذا؛ ويبينه.
هذا؛ وقد قال الله تعالى في سورة (الطور) رقم [٢٥]: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ} وقال في سورة (الصافات) رقم [٢٧]: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ،} أقول: فآية (الطور) تنص على أن التساؤل إنما يكون في الجنة بلا ريب، بدليل الآيات التي قبلها، والتي بعدها، وأما آية (الصافات) فهي تنص على أن التساؤل إنما يكون يوم القيامة، بدليل قوله تعالى قبلها بآيتين:
{وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ} وهي تعارض الآية التي نحن بصدد شرحها، وآية المؤمنون المذكورة آنفا، وقد قال ابن عباس-رضي الله عنهما-في حل هذا التعارض: إن للقيامة أحوالا ومواطن، ففي موطن يشتد عليهم الخوف، فيشغلهم عظم الأمر عن التساؤل، فلا يتساءلون، وفي موطن يفيقون إفاقة، فيتساءلون. انتهى. خازن في سورة (المؤمنون).
الإعراب: {فَعَمِيَتْ:} الفاء: حرف استئناف. (عميت): فعل ماض، والتاء للتأنيث.
{عَلَيْهِمُ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما. {الْأَنْباءُ:} فاعله، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها. {يَوْمَئِذٍ:} (يوم): ظرف زمان متعلق بالفعل قبله، و (إذ) ظرف لما مضى من الزمان مبني على السكون في محل جر بالإضافة، وحرك بالكسر لالتقاء الساكنين، والتنوين ينوب عن جملة محذوفة، مضافة (إذ) إليها، التقدير: يوم إذ يناديهم. {فَهُمْ:} الفاء: حرف عطف وسبب. (هم): ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {لا:} نافية.
{يَتَساءَلُونَ:} فعل مضارع مرفوع... إلخ، والواو فاعله، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها لا محل لها مثلها.
{فَأَمّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (٦٧)}
الشرح: {فَأَمّا مَنْ تابَ:} من الشرك، {وَآمَنَ} أي: بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبالقرآن إماما، وبمحمد صلّى الله عليه وسلّم نبيا، وشفيعا، ورسولا. {وَعَمِلَ صالِحاً:} أدى الفرائض، وأكثر من النوافل، مع اجتناب المحرمات، والمنهيات. انظر الآية رقم [٧٠] من سورة (الفرقان) تجد ما يسرك.
{فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ} أي: من الفائزين بالسعادة الأبدية، والهناءة السرمدية.
وعسى من الله واجبة التحقيق على عادة الكرام، أو هي ترج من التائب الذي آمن وعمل صالحا، وينبغي أن تعلم: أنه لما ذكر الله حال الكافرين في الآيات السابقة، وما يجري عليهم يوم القيامة من عظائم الأمور؛ ذكر حال المؤمنين السعداء، وما يجري عليهم من النعيم المقيم والخير العميم؛ لأنه جرت سنة الله في كتابه: أنه لا يذكر أحد الفريقين؛ إلا ويذكر الآخر، ولا يذكر الجنة؛ إلا ويذكر النار... إلخ، وذلك ليكون المؤمن راغبا في طاعة الله خائفا من معصيته.