للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المتفرق. وقال في موضع آخر في قوله تعالى في سورة (القمر) رقم [٧]: {كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ} فأوّل حالهم كالفراش لا وجه له، يتحير في كل وجه، ثم يكونون كالجراد؛ لأن لها وجها تقصده، وفي أمثالهم: أضعف من فراشة، وأذل وأجهل من جرادة. وسمي فراشا لتفرشه، وانتشاره.

{وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} أي: الصوف الذي ينفش باليد. وأهل اللغة يقولون:

العهن: الصوف المصبوغ. وذلك؛ لأنها تتفرق أجزاؤها في ذلك اليوم حتى تصير كالصوف المتطاير عند الندف، وإنما جمع بين حال الناس وحال الجبال تنبيها على أن تلك القارعة أثرت في الجبال العظيمة الصلدة الصلبة حتى تصير كالصوف المندوف مع كونها غير مكلفة، فكيف حال الإنسان الضعيف المقصود بالتكليف؛ وهو مبعوث من قبره للحساب، والجزاء؟! وانظر ما ذكرته في سورة (النبأ) رقم [٢٠] تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.

الإعراب: {يَوْمَ:} ظرف زمان متعلق بفعل محذوف، التقدير: تقرع يوم، أو تقديره: اذكر.

وقيل: {يَوْمَ} مبني على الفتح في محل رفع من وجهين: أحدهما: أنه خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: هي يوم، كما هو رأي الكوفيين لإضافته إلى الفعل وإن كان مضارعا. وثانيهما: أنه فاعل لفعل محذوف، التقدير: سيأتي يوم يكون. وقيل: {الْقارِعَةُ} رفع بإضمار فعل، وذلك الفعل عامل في {يَوْمَ} تقديره: ستأتي القارعة يوم يكون. انتهى. مكي، والأول هو المعتمد بلا شك، ولا ريب. {يَكُونُ:} مضارع ناقص. {النّاسُ:} اسمها. {كَالْفَراشِ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر {يَكُونُ} التقدير: يكون الناس مشبهين بالفراش. وإن اعتبرت {يَكُونُ} تاما؛ فالجار، والمجرور متعلقان بمحذوف حال، التقدير: يوجدون ويحشرون حال كونهم مشبهين بالفراش. هذا؛ وإن اعتبرت الكاف اسما بمعنى: مثل؛ فالمحل لها على الاعتبارين، وتكون مضافة، و (الفراش): مضاف إليه. {الْمَبْثُوثِ:} صفة (الفراش) وجملة:

{يَكُونُ..}. إلخ في محل جر بإضافة {يَوْمَ} إليها، والتي بعدها معطوفة عليها، وهي مثلها في إعرابها وفي محلها.

{فَأَمّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ (٦) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٧) وَأَمّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ (٨) فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ (٩) وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ (١٠) نارٌ حامِيَةٌ (١١)}

الشرح: {فَأَمّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ:} هذا تفصيل لأحوال الناس في ذلك اليوم، العظيم شأنه، الطويل زمانه، القريب أوانه، وهذا التفصيل تجده في سورة (هود) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام في قوله تعالى: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ..}. إلخ رقم [١٠٥] وما بعدها.

{ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ} أي: رجحت حسناته على سيئاته. يعني: رجحت موازين حسناته. قيل:

هو جمع: موزون، وهو العمل الذي له قدر، وخطر عند الله تعالى. وقيل: هو جمع: ميزان، وهو

<<  <  ج: ص:  >  >>