للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي له لسان، وكفتان، توزن فيه الأعمال، فيؤتى بحسنات المؤمن في أحسن صورة، فتوضع في كفة الميزان، فإن رجحت حسناته؛ فالجنة له. ويؤتى بسيئات الكافر في أقبح صورة، فتخف ميزانه، فيدخل النار. وقيل: إنما توزن أعمال المؤمنين. فمن ثقلت حسناته على سيئاته؛ دخل الجنة، ومن ثقلت سيئاته على حسناته؛ دخل النار، فيقتص منه على قدرها، ثم يخرج منها، فيدخل الجنة، أو يعفو الله عنه بكرمه، فيدخل الجنة بفضل الله، وكرمه، ورحمته، وأما الكفار؛ فلا توزن أعمالهم. قال تعالى في سورة (الكهف) رقم [١٠٥]: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً}.

روي: أن أبا بكر-رضي الله عنه-حين حضره الموت. قال في وصيته لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في الدنيا، وثقله عليهم، وحق لميزان يوضع فيه الحق غدا أن يكون ثقيلا، وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل في الدنيا، وخفته عليهم، وحق لميزان يوضع فيه الباطل غدا أن يكون خفيفا.

هذا؛ وقد ذكر الله تعالى في هذه الآيات السعداء الذين غلبت حسناتهم على سيئاتهم، والأشقياء الذين غلبت سيئاتهم على حسناتهم، وبقي صنف ثالث، وهم من تساوت حسناتهم وسيئاتهم، وهم أصحاب الأعراف المذكورون في الآية رقم [٤٦] وما بعدها، من سورة (الأعراف) وذلك في قوله تعالى: {وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ..}. إلخ.

هذا؛ والمراد بالوزن: القضاء، أو وزن الأعمال، وهو مقابلتها بالجزاء. والجمهور على أن صحائف الأعمال توزن بميزان، له لسان، وكفتان، ينظر إليه الخلائق، إظهارا للمعدلة، وقطعا للمعذرة، كما يسألهم عن أعمالهم، فتعترف بها ألسنتهم، وتشهد بها جوارحهم.

والحكمة من وزن الأعمال مع علم الله بمقاديرها تتجلى فيما يلي: منها: إظهار العدل الإلهي، وأن الله لا يظلم مثقال ذرة. ومنها: امتحان الخلق بالإيمان بذلك في الدنيا، وإقامة الحجة عليهم في العقبى. ومنها: تعريف العباد ما لهم من خير، وشر، وحسنة، وسيئة. ومنها:

إظهار علامة السعادة، والشقاوة، وخذ ما يلي:

فعن أنس بن مالك-رضي الله عنه-رفعه إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ملك موكل بالميزان، فيؤتى بابن آدم، فيوقف بين كفتي الميزان، فإن ثقل ميزانه، نادى ملك بصوت يسمع الخلائق: سعد فلان سعادة لا يشقى بعدها أبدا. وإن خفّ ميزانه؛ نادى ملك بصوت يسمع الخلائق: شقي فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبدا». رواه البيهقي، والبزار.

عن سلمان الفارسي-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «يوضع الميزان يوم القيامة. فلو وزن فيه السموات، والأرض؛ لوسعهنّ. فنقول الملائكة: يا ربّ لمن يزن هذا؟ فيقول الله: لمن شئت من خلقي، فيقولون: سبحانك ما عبدناك حقّ عبادتك». رواه الحاكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>