{مَعَ:} ظرف مكان متعلق بالفعل قبله، وهو مضاف، و {الْخائِضِينَ} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض من التنوين في الاسم المفرد. {وَكُنّا نُكَذِّبُ:} مثل ما قبله في إعرابه، وفي محله. {بِيَوْمِ:} متعلقان بما قبلهما، و (يوم) مضاف، و {الدِّينِ:} مضاف إليه. {حَتّى:} حرف غاية وجر بعدها: «أن» مضمرة. {أَتانَا:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف في محل نصب بأن المضمرة، و (نا): مفعول به.
{الْيَقِينُ:} فاعله، و «أن» المضمرة والفعل (أتى) في تأويل مصدر في محل جر ب: {حَتّى،} والجار والمجرور متعلقان بالفعل {نُكَذِّبُ}.
الشرح:{فَما تَنْفَعُهُمْ..}. إلخ: قال القرطبي-رحمه الله تعالى-: هذا دليل على صحة الشفاعة للمذنبين، وذلك أن قوما من أهل التوحيد عذّبوا بذنوبهم، ثم شفع فيهم، فرحمهم الله بتوحيدهم، والشفاعة، فأخرجوا من النار، وليس للكفار شفيع يشفع فيهم. فهي نفي للشفاعة فيهم من أصلها، ومثله في سورة (غافر) رقم [١٨]: {وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ}. هذا؛ وقال عبد الله بن مسعود: يشفع نبيكم صلّى الله عليه وسلّم رابع أربعة: جبريل، ثم إبراهيم، ثم موسى، أو عيسى، ثم نبيكم صلّى الله عليه وسلّم، ثم الملائكة، ثم النبيون، ثم الصديقون، ثم الشهداء، ويبقى قوم في جهنم، فيقال لهم:{ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ..}. إلخ قال عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-: فهؤلاء هم الذين يبقون في جهنم. وقال عمران بن حصين -رضي الله عنه-: الشفاعة نافعة لكل أحد دون هؤلاء الذين تسمعون.
هذا؛ والشفاعة في الأصل التوسل، وابتغاء الخير، والذي يكون منه التوسل يسمى الشفيع.
والشفاعة في الآخرة لا تكون إلا حسنة؛ لأنها لطلب الخير الخالص، وأما في الدنيا فتكون حسنة، وأكثرها سيئة، فالشفاعة الحسنة هي التي روعي فيها حق مسلم، ودفع بها عنه شر، أو جلب إليه خير، وابتغي بها وجه الله، ولم تؤخذ عليها رشوة، وكانت في أمر جائز، لا في حد من حدود الله، ولا في حق من حقوق الناس، والسيئة ما كانت بخلاف ذلك. والدستور في ذلك قوله تعالى في سورة (النساء) رقم [٨٥]: {مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها}. هذا؛ وقيل: الشفاعة الحسنة هي الدعوة للمسلم؛ لأنها في معنى الشفاعة إلى الله. فعن النبي صلّى الله عليه وسلّم قوله:«من دعا لأخيه بظهر الغيب؛ استجيب له، وقال له الملك: ولك مثل ذلك». فذلك النصيب.
{فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ} أي: فما لهؤلاء المشركين معرضين عن القرآن، وآياته، وما فيه من المواعظ البليغة، والنصائح القيمة، والإرشادات العظيمة؟! قال مقاتل-رحمه الله تعالى-: