قال الترمذي الحكيم رحمه الله تعالى:(إن الله خلق الخلق عبيدا ليعبدوه، فيثيبهم على العبادة، ويعاقبهم على تركها، فإن عبدوه فهم اليوم له عبيد أحرار كرام من رق الدنيا، ملوك في دار الإسلام، وإن رفضوا العبودية لله فهم اليوم عبيد أبّاق، سقّاط، لئام، وغدا أعداء في السجون بين أطباق النيران). انتهى. قرطبي. هذا؛ ويقرأ:{لا تُرْجَعُونَ} بالبناء للمجهول فيكون متعديا، ويقرأ بالبناء للمعلوم، فيكون لازما، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
روى البغوي بسنده عن الحسن-رضي الله عنه-أن رجلا مصابا مرّ به على ابن مسعود-رضي الله عنه-، فرقاه في أذنه {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ..}. إلخ حتى ختم السورة، فبرأ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
بماذا رقيت في أذنه؟». فأخبره. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«والّذي نفسي بيده لو أنّ رجلا موقنا قرأها على الجبل لزلّ». انتهى خازن. ومعنى لزل: لتحرك من مكانه، ويروى (لزال) من الزوال، وهو الذهاب.
الإعراب:{أَفَحَسِبْتُمْ:} الهمزة: حرف استفهام، وتوبيخ، وتقريع. الفاء: حرف استئناف، أو هي حرف عطف على محذوف، انظر تفصيل ذلك في سورة (الأنبياء) رقم [٣٠](حسبتم): فعل، وفاعل. {أَنَّما:} كافة، ومكفوفة، وتبقى مؤولة مع ما بعدها بمصدر في محل نصب سد مسد مفعولي حسب. {خَلَقْناكُمْ:} ماض، وفاعله، ومفعوله، والميم علامة جمع الذكور. {عَبَثاً:}
مصدر فهو حال بمعنى: عابثين، أو هو مفعول لأجله، أي: لأجل العبث. {وَأَنَّكُمْ:} الواو: حرف عطف. (أنكم): حرف مشبه، والكاف اسمها. {إِلَيْنا:} متعلقان بما بعدهما. {لا:} نافية.
{تُرْجَعُونَ:} مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو فاعله، أو نائب فاعله حسبما رأيت في الشرح، والجملة الفعلية في محل رفع خبر (أنّ)، و (أنّ) واسمها، وخبرها في تأويل مصدر معطوف على المصدر المؤول من:{أَنَّما..}. إلخ فيكون الحسبان منسحبا عليه، ويجوز أن يكون معطوفا على {عَبَثاً}. هذا؛ والكلام {أَفَحَسِبْتُمْ..}. إلخ كله في محل نصب مقول القول.
الشرح:{فَتَعالَى اللهُ} أي: تنزه، وتقدس عن الأولاد، والشركاء، والأنداد، وعن أن يخلق شيئا عبثا، أو لعبا؛ لأنه الحكيم. {الْمَلِكُ الْحَقُّ} أي: الذي يحق له الملك مطلقا، فإن من عداه مملوك بالذات مالك بالعرض من وجه دون وجه، وفي حال دون حال. {لا إِلهَ إِلاّ هُوَ:} فهو الواحد، الأحد، الفرد، الصمد؛ الذي يستحق العبودية، وما عداه عبيد له مملوكون في قبضته. {رَبُّ الْعَرْشِ:} مالكه، وهو الذي خلقه. {الْكَرِيمِ} أي: الحسن، وقيل: الرفيع المرتفع، وقال البيضاوي: الذي يحيط بالأجرام، وتنزل منه محكمات الأقضية، والأحكام، ولذلك وصفه بالكريم، أو لنسبته إلى أكرم الأكرمين، وإنما خص {الْعَرْشِ} بالذكر؛ لأنه أعظم المخلوقات. هذا؛ وقرئ برفعه على أنه تابع للفظ الجلالة.