واستقبلت الآخرة، فدار أنت إليها تسير أقرب من دار أنت عنها ترتحل. يا بني! عود لسانك أن يقول: اللهم اغفر لي، فإن لله ساعات لا ترد. يا بني! إيّاك والدّين فإنه ذل في النهار، وهمّ في الليل، يا بني! ارج الله رجاء لا يجرّئك على معصيته، وخف الله خوفا، لا يؤيسك من رحمته. انتهى. جمل، ثم قال-رحمه الله تعالى-: وإنما أكثرت من ذلك لعل الله ينفعني، ومن طالعه بذلك، واقتصرت على هذا القدر، وإلا فمواعظه لابنه لو أراد شخص الإكثار منها؛ لجعل منها مجلدات.
ومن قصص الأنبياء للثعلبي: يا بني لا تضع برّك إلا عند راعيه، كما ليس بين الكبش والذئب مودة فليس بين البار والفاجر خلة، ومن يحب المراء؛ يشتم، ومن يدخل مداخل السوء يتهم، ومن يصاحب قرين السوء؛ لا يسلم، ومن لا يملك لسانه؛ يندم، يا بني! لا تطلب من الأمر مدبرا، ولا ترفض منه مقبلا، فإن ذلك يقل الرأي، ويزري بالعقل... إلخ، وهذا قطرة من بحر.
الإعراب:{وَإِذْ:} الواو: حرف عطف، أو حرف استئناف. (إذ): ظرف لما مضى من الزمان مبني على السكون في محل نصب متعلق بفعل محذوف، تقديره: اذكر، أو هو مفعول به لهذا المقدر، وجملة:{قالَ لُقْمانُ لاِبْنِهِ} في محل جر بإضافة (إذ) إليها. {وَهُوَ:} الواو: واو الحال.
(هو): ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. {يَعِظُهُ:} فعل مضارع، والهاء مفعول به، والفاعل يعود إلى الضمير العائد بدوره إلى لقمان عليه السّلام، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية: {(هُوَ يَعِظُهُ)} في محل نصب حال من {لُقْمانُ} والرابط: الواو، والضمير. (يا): أداة نداء تنوب مناب: أدعو. (بني): منادى منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بسكون الإدغام، والياء ضمير متصل في محل جر بالإضافة. {لا تُشْرِكْ:} فعل مضارع مجزوم ب: (لا) الناهية، والفاعل مستتر تقديره:
«أنت». {بِاللهِ:} متعلقان به، والجملتان الندائية والفعلية كلتاهما في محل نصب مقول القول، وجملة:(اذكر إذ قال...) إلخ معطوفة على جواب القسم، أو هي مستأنفة، لا محل لها على الاعتبارين. {لُقْمانُ:} حرف مشبه بالفعل. {الشِّرْكَ:} اسم {لُقْمانُ}. {لَظُلْمٌ:} اللام: لام الابتداء، وتسمى المزحلقة. (ظلم): خبر {لُقْمانُ}. {عَظِيمٌ:} صفة له، والجملة الاسمية تعليل للنهي لا محل لها، وهي من مقول لقمان، على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام.
الشرح: هذه الآية، والآية التالية معترضتان في تضاعيف وصية لقمان-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-لابنه تأكيدا لما فيها من النهي عن الشرك، وغيره، فكأنه قال: وقد