للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{جَزاءُ:} فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أنه منصوب بفعل مقدر، وهو مصدر مؤكد؛ أي: يجزون جزاء. الثاني: أن يكون منصوبا بالمصدر الذي قبله، والمصدر ينصب بمثله، كقوله تعالى في سورة (الإسراء) رقم [٦٣]: {فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً}. الثالث: أن ينتصب على الحال من: {النّارُ،} أو من ضميرها المجرور ب‍: (في). {بِما:} جار ومجرور متعلقان ب‍: {جَزاءُ} الثاني، إن لم يكن مؤكدا، وبالأول إن كان مؤكدا، و (ما) موصولة، أو مصدرية. {كانُوا:} فعل ماض ناقص مبني على الضم، والواو اسمه، والألف للتفريق. {بِآياتِنا:} متعلقان بما بعدهما، و (نا): في محل جر بالإضافة، وجملة: {يَجْحَدُونَ} في محل نصب خبر {كانُوا،} والجملة الفعلية صلة (ما) لا محل لها، والعائد محذوف، التقدير: بالذي كانوا يجحدونه بآياتنا، وعلى اعتبار (ما) مصدرية تؤول بما بعدها بمصدر في محل جر بالباء، التقدير: بسبب جحدهم آياتنا. تأمل.

{وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاّنا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (٢٩)}

الشرح: {وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي: وصاروا إلى النار، والتعبير بالماضي عن المستقبل إنما هو لتحقق الوقوع. {رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاّنا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ:} لأن الشيطان المضل يكون من الجن ويكون من الإنس، قال تعالى في سورة (الأنعام) رقم [١١٢]: {وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ..}. إلخ، وقال تعالى في سورة (الناس): {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنّاسِ} وقيل: هما إبليس، وقابيل بن آدم؛ الذي قتل أخاه؛ لأن الكفر سنة إبليس، والقتل بغير حق سنة قابيل، فهما سنّا المعصية. ويشهد لهذا القول الحديث المرفوع: «ما من مسلم يقتل ظلما إلا كان على ابن آدم الأوّل كفل من ذنبه؛ لأنّه أول من سنّ القتل». أخرجه الترمذي. وانظر ما ذكرته في سورة (المائدة) رقم [٣٠]. {نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا} أي: ليكونا مباشرين للنار، وليكونا وقاية بيننا وبينها، فتخف عنا حرارتها نوع خفة. وقال القرطبي: سألوا ذلك حتى يشتفوا منهم بأن يجعلوهم تحت أقدامهم. {لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ:} قال مقاتل: أي:

أسفل منا في النار، وقال الزجاج: ليكونا في الدرك الأسفل؛ أي: من أهل الدرك الأسفل، وممن هو دوننا، كما جعلانا كذلك في الدنيا في حقيقة الحال باتباعنا لهما. انتهى. جمل. والله أعلم.

الإعراب: (قال الذين): فعل، وفاعل، وجملة: {كَفَرُوا} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول، لا محل لها، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها في الآيتين السابقتين، لا محل لها مثلهما. {رَبَّنا:} منادى حذف منه أداة النداء، و (نا): في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه، وانظر ما ذكرته في سورة (ص) رقم [١٦] نقلا من قول مكي. {أَرِنَا:} فعل دعاء مبني على حذف حرف العلة من آخره وهو الياء، والكسرة قبلها دليل

<<  <  ج: ص:  >  >>