على محذوف، التقدير: أبعد ما تقرر من توحيد الله، وبعد ما عرفتم: أن كل ما سواه محتاج إليه؛ فتتقون غيره. (غير): مفعول به مقدم، وغير مضاف، و {اللهِ:} مضاف إليه. {تَتَّقُونَ:}
مضارع مرفوع... إلخ، والواو فاعله، والجملة الفعلية مستأنفة، أو معطوفة على جملة محذوفة حسب ما رأيت في الآية رقم [١٧].
{وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ (٥٣)}
الشرح: {وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ} أي: أيّ شيء وصل إليكم من نعم: صحة جسم، وسعة رزق، وولد، وإيمان، وراحة بال؛ فهو من الله وحده، فيجب عليكم أن تشكروه على هذه النعم. {ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ:} الفقر، أو المرض، أو البلاء بأنواعه. {فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ:}
تتضرعون، وتضجون بالدعاء. و «الجؤار»: رفع الصوت بالدعاء، والاستغاثة، و «الجؤار» صوت البقر، مثل الخوار، قال الأعشى يصف بقرة وحشية: [الطويل]
فطافت ثلاثا بين يوم وليلة... وكان النكير أن تطيف وتجأرا
هذا؛ و {ثُمَّ} حرف عطف يقتضي ثلاثة أمور: التشريك في الحكم، والترتيب، والمهلة، وفي كل منها خلاف مذكور في مغني اللبيب، وقد تلحقها تاء التأنيث الساكنة، كما تلحق «ربّ» و «لا» العاملة عمل «ليس» فيقال: ثمّت، وربّت، ولات، والأكثر تحريك التاء معهن بالفتح.
هذا؛ و «ثمّ» هذه غير «ثمّ» بفتح الثاء، فإنها اسم يشار به إلى المكان البعيد، نحو قوله تعالى:
{وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ} وهي ظرف لا يتصرف، ولا يتقدمه حرف التنبيه، ولا يتصل به كاف الخطاب، وقد تتصل به التاء المربوطة، فيقال: ثمّة.
الإعراب: {وَما:} الواو: حرف استئناف. (ما): اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {بِكُمْ:} متعلقان بمحذوف صلة الموصول. {مِنْ نِعْمَةٍ:} متعلقان بمحذوف حال من الضمير المستتر في متعلق الجار والمجرور، و (من) بيان لما أبهم في (ما). {فَمِنَ:} الفاء:
حرف صلة لتحسين اللفظ، ودخلت الفاء في خبر المبتدأ لأن الموصول يشبه الشرط في العموم.
(من الله): متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ. هذا؛ وأجيز اعتبار (ما) شرطية مبتدأ، وفعل شرطها محذوف، التقدير: وأيّ: شيء بكم، أو اتصل بكم، والجار والمجرور بكم متعلقان بالفعل المقدر. وقال ابن هشام في «مغني اللبيب»: التقدير: وما يكن بكم من نعمة؛ فمن الله، وهذا يعني: أن الفعل «يكن» تاما بمعنى: وما يوجد بكم. {مِنْ نِعْمَةٍ:} متعلقان بمحذوف حال من فاعل الفعل المقدر والمستتر، والفاء: واقعة في جواب الشرط، وعليه فالجار والمجرور: (من الله) متعلقان بمحذوف خبر لمبتدإ محذوف، التقدير: فهو من الله، أو فهي من الله، والجملة الاسمية في محل جزم جواب الشرط، وخبر المبتدأ الذي هو (ما) مختلف فيه: هل هو جملة