للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاً»}. رواه الترمذيّ، وابن ماجة. {إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ} أي: يبغض؛ لأنّ معنى محبة الله للعبد: رضاه عنه، وغفر ذنوبه، وستر عيوبه، ومعنى عدم محبّته للعبد: طرده من جنّته، وإبعاده من رحمته. {مَنْ كانَ خَوّاناً:} صيغة مبالغة بمعنى: كثير الخيانة. {أَثِيماً:} صيغة مبالغة أيضا بمعنى كثير الإثم، والمراد به: طعمة.

بعد هذا قال العلماء: ولا ينبغي إذا ظهر للمسلمين نفاق قوم أن يجادل فريق عنهم؛ ليحموهم، ويدفعوا عنهم، فإنّ هذا قد وقع على عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم، وفيهم نزلت الآيات، والخطاب للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والمراد منه: الّذين كانوا يفعلونه من المسلمين دونه لوجهين: أحدهما: أنّه تعالى أبان ذلك بما ذكره بعده بقوله: {ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا} والآخر: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان حكما فيما بينهم، ولذلك كان يعتذر إليه، ولا يعتذر هو إلى غيره، فدلّ: أنّ القصد لغيره. انتهى قرطبي بتصرف.

الإعراب: {وَلا:} الواو: حرف عطف. ({لا}): ناهية. {تُجادِلْ:} فعل مضارع مجزوم ب‍ ({لا}) الناهية، والفاعل ضمير مستتر تقديره: أنت، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها. {عَنِ الَّذِينَ:} متعلقان بما قبلهما. {يَخْتانُونَ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو فاعله. {أَنْفُسَهُمْ:} مفعول به، والهاء في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محلّ لها. {إِنَّ:} حرف مشبّه بالفعل. {اللهَ:} اسمه. {لا:} نافية.

{يُحِبُّ:} فعل مضارع، والفاعل يعود إلى: {اللهَ}. {مَنْ:} اسم موصول، أو نكرة موصوفة بمعنى شخص أو إنسان، مبنية على السكون في محل نصب مفعول به. {كانَ:} فعل ماض ناقص، واسمه يعود إلى: {مَنْ} وهو العائد، أو الرابط. {خَوّاناً:} خبر: {كانَ}. {أَثِيماً:}

خبر ثان، والجملة الفعلية صلة: {مَنْ} أو صفتها، وجملة: {لا يُحِبُّ..}. إلخ في محل رفع خبر: {إِنَّ،} والجملة الاسمية: {إِنَّ اللهَ..}. إلخ تعليل للنّهي لا محلّ لها.

{يَسْتَخْفُونَ مِنَ النّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (١٠٨)}

الشرح: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النّاسِ:} يستترون من الناس خوفا، وخجلا. والمراد بذلك بنو ظفر قوم طعمة بن أبيرق. {وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ:} وهو أحقّ أن يستحيا منه. وأصل الاستخفاء:

الاستتار، وإنّما فسّر الاستخفاء بالاستحياء على المعنى؛ لأنّ الاستخفاء من الناس يوجب الاستتار منهم. {وَهُوَ مَعَهُمْ} بالعلم، والقدرة؛ أي: مطّلع عليهم، وعالم بأحوالهم، ولا يخفى عليه شيء من أمرهم. هذا؛ وبين الجملتين طباق السّلب، وهو من المحسّنات البديعية. {إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ:} أي: يدبرون، ويزوّرون الّذي لا يرضاه الله تعالى من عزمهم على

<<  <  ج: ص:  >  >>