للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمّا كانُوا يَفْتَرُونَ (١٣)}

الشرح: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ:} الأثقال: الأوزار، جمع: ثقل، وهو استعارة أطلق عليها لفظ الأثقال، وهي الأحمال التي تثقل حاملها، وتتعبه؛ لأنها تسبب له النكد، والشقاء الطويل في جهنم يوم القيامة، وما بعده. وفيه تأويلان:

أحدهما: أن المراد به ما يحمل على الظالمين من سيئات من ظلموه بعد فراغ حسناتهم، قال أبو أمامة الباهلي-رضي الله عنه-: «يؤتى بالرجل يوم القيامة، وهو كثير الحسنات، فلا يزال يقتصّ منه حتى تفنى حسناته، ثم يطالب، فيقول الله عز وجل: اقتصوا من عبدي، فتقول الملائكة:

ما بقيت له حسنات! فيقول: خذوا من سيئات المظلوم، فاجعلوا عليه». ثم تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قوله تعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ}. أقول: وهذا في حق المسلم الموحد؛ لأن الكافر لا حسنة له، كما نوهت به آية (الفرقان) رقم [٢٣]: {وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً} وآية (النور) رقم [٣٩] وهي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً..}. إلخ. والمسلم الذي تذهب حسناته، ويطرح عليه من سيئات المظلومين، هو من سماه الرسول صلّى الله عليه وسلّم المفلس، فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا، من لا درهم له ولا متاع، فقال: المفلس من أمّتي من يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة؛ ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم، فطرحت عليه، ثمّ طرح في النّار». رواه مسلم والترمذي.

والتأويل الثاني: أن المراد به: رؤساء الكفر، ودعاة الشر، والرذيلة، الذين يصدون الناس عن الإيمان، أو عن الطاعة، أو عن عمل الخير... إلخ، فقد قال قتادة-رضي الله عنه-: من دعا إلى ضلالة كان عليه وزرها، ووزر من عمل بها، ولا ينقص من أوزارهم شيء، ونظيره قوله تعالى في سورة (النحل) رقم [٢٥]: {لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ}. وعن أنس بن مالك-رضي الله عنه-عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أنه قال: «أيّما داع دعا إلى ضلالة فاتّبع، فإنّ له مثل أوزار من اتّبعه، ولا ينقص من أوزارهم شيئا، وأيّما داع دعا إلى هدى، فاتّبع فإنّ له مثل أجور من اتّبعه، ولا ينقص من أجورهم شيئا». أخرجه ابن ماجة.

هذا؛ ومن الحديث الطويل الذي خرجه مسلم، والنسائي، وابن ماجة، والترمذي عن جرير بن عبد الله البجلي-رضي الله عنه-: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من سنّ في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ في الإسلام سنّة سيّئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء».

<<  <  ج: ص:  >  >>