للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكون مصحوبا بحق كالانتصار المقترن بالتعدي فيه. {أُولئِكَ} أي: المعتدون بغير الحق.

{لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ} أي: في الآخرة.

هذا؛ والسبيل في الأصل: الطريق، يذكر، ويؤنث بلفظ واحد، فمن التذكير قوله تعالى في سورة (الأعراف) رقم [١٤٦]: {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً}. ومن التأنيث قوله تعالى في سورة (يوسف) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام:

{قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ} رقم [١٠٨]. والجمع على التأنيث: سبول، وعلى التذكير: سبل بضمتين، وقد تسكن الباء، كما في: رسل، وعسر، ويسر. قال عيسى بن عمر: كل اسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم، وأوسطه ساكن، فمن العرب من يخففه، ومنهم من يثقله، وذلك مثل: رحم، وحلم، وأسد... إلخ.

الإعراب: {إِنَّمَا:} كافة ومكفوفة. {السَّبِيلُ:} مبتدأ. {عَلَى الَّذِينَ:} متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، والجملة الاسمية معترضة، لا محلّ لها، وجملة: {يَظْلِمُونَ النّاسَ} صلة الموصول، لا محلّ لها. {وَيَبْغُونَ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون؛ لأنّه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله. {فِي الْأَرْضِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، والجملة الفعلية معطوفة على جملة الصلة لا محلّ لها مثلها. {بِغَيْرِ:} متعلقان بمحذوف حال من واو الجماعة، و (غير) مضاف، و {الْحَقِّ} مضاف إليه. {أُولئِكَ:} اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ، والكاف حرف خطاب، لا محلّ له. {لَهُمْ:} متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {عَذابٌ:} مبتدأ مؤخر.

والجملة الاسمية في محل رفع خبر المبتدأ الأول. هذا؛ وإن اعتبرت الجار والمجرور {لَهُمْ} متعلقين بمحذوف خبر: {أُولئِكَ} ف‍: {عَذابٌ} يكون فاعلا بالاستقرار المحذوف. {أَلِيمٌ:}

صفة: {عَذابٌ،} والجملة الاسمية: {أُولئِكَ..}. إلخ مستأنفة، لا محلّ لها.

{وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (٤٣)}

الشرح: {وَلَمَنْ صَبَرَ} أي: على الأذى. {وَغَفَرَ} أي: ترك الانتصار لوجه الله تعالى.

وهذا فيمن ظلمه مسلم. ويحكى أن رجلا سبّ رجلا في مجلس الحسن رحمه الله، فكان المسبوب يكظم غيظه، ويعرق، فيمسح العرق، ثم قام فتلا هذه الآية، فقال الحسن: عقلها؛ والله! وفهمها؛ إذ ضيعها الجاهلون. وبالجملة: العفو مندوب إليه، ثم قد ينعكس الأمر في بعض الأحوال، فيرجع ترك العفو مندوبا إليه كما أوضحته فيما سبق، وذلك إذا احتيج إلى كف زيادة البغي، وقطع مادة الأذى. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٤١] من قول النبي صلّى الله عليه وسلّم لعائشة -رضي الله عنها-: «دونك فانتصري».

{إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} أي: لمن الأمور المشكورة عند الله، والأفعال الحميدة عند الناس؛ التي يثاب عليها فاعلها ثوابا جزيلا. وقال الفضيل بن عياض-رحمه الله تعالى-: إذا

<<  <  ج: ص:  >  >>