للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما أنعم الله به عليهم، وجعل تعالى ذلك دون حد؛ لسهولته على العبد. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: لم يفرض الله عز وجل على عباده فريضة إلا جعل لها حدا معلوما، ثم عذر أهلها في حال العذر غير الذكر، فإنه لم يجعل له حدا ينتهي إليه، ولم يعذر أحدا في تركه، إلا مغلبا على عقله، وأمرهم به في الأحوال كلها، فقال تعالى: {فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ}.

وقال تعالى: {اُذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً} يعني: بالليل، والنهار، في البر، والبحر، في الصحة، والمرض، في السر، والعلانية. وقيل: الذكر الكثير: هو أن لا ينساه أبدا، وخذ ما يلي:

عن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أكثروا ذكر الله حتّى يقولوا: مجنون». رواه أحمد، والحاكم، وغيرهما. وعن أبي موسى الأشعري-رضي الله عنه- قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «مثل الّذي يذكر ربّه؛ والّذي لا يذكر ربّه مثل الحيّ، والميّت». رواه البخاري، ومسلم، وعن أنس-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الشّيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم، فإن ذكر الله؛ خنس، وإن نسي؛ التقم قلبه». رواه البيهقي، وغيره.

والأحاديث المرغبة في الذكر أكثر من أن تحصى، وانظر الآية رقم [٣٥].

الإعراب: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ} انظر إعراب مثل هذه الجملة في الآية رقم [١]. {آمَنُوا:} فعل ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها، والمتعلق محذوف. {اُذْكُرُوا:} فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية كالجملة الندائية قبلها. {اللهِ:} منصوب على التعظيم. {ذِكْراً:} مفعول مطلق. {كَثِيراً:} صفة له.

{وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٤٢)}

الشرح: {وَسَبِّحُوهُ:} معناه: إذا ذكرتموه ينبغي أن يكون ذكركم إياه على وجه التعظيم والتقديس، والتنزيه عن كل سوء. {بُكْرَةً وَأَصِيلاً} أي: أول النهار، وآخره، وخصّا بالذكر؛ لأن ملائكة الليل، وملائكة النهار يجتمعون في هذين الوقتين، وإنما اختص التسبيح بالذكر من بين أنواع الذكر؛ لبيان فضله على سائر الأذكار، كما اختص جبريل، وميكائيل بالذكر من بين الملائكة لبيان فضلهما؛ لأن معنى التسبيح: تنزيه ذاته تعالى عما لا يجوز عليه من الصفات.

وجاز أن يراد بالذكر، والتسبيح وإكثارهما تكثير الطاعات، والعبادات فإنها من جملة الذكر، ثم خص من ذلك التسبيح {بُكْرَةً،} وهي صلاة الفجر. {وَأَصِيلاً،} وهي صلاة الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء لمزيد الاهتمام بشأن الصلاة.

تنبيه: جاء لفظ التسبيح في القرآن الكريم بالماضي أحيانا، وبالمضارع أحيانا، وبالأمر أحيانا، وبالمصدر أحيانا أخرى، استيعابا لهذه المادة من جميع جهاتها، وألفاظها، وهي أربع:

<<  <  ج: ص:  >  >>