للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً (١٨)}

الشرح: {السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ:} متشققة فيه، أي: في ذلك اليوم لهوله، هذا أحسن ما قيل به. هذا؛ ولم يؤنث {مُنْفَطِرٌ} مع أنه خبر عن {السَّماءُ،} وأجيب عن ذلك بأجوبة: منها: أن هذه الصيغة صيغة نسب، أي: ذات انفطار، نحو امرأة مرضع، وحائض، أي: ذات إرضاع، وذات حيض، ومنها: أنها لم يؤنث؛ لأن السماء بمعنى السقف. قال تعالى في سورة (الأنبياء) رقم [٣٢]: {وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً} ومنها: أن السماء تذكر وتؤنث، ومنها: أنها اسم جنس يفرق بينه وبين واحده بالتاء فيقال: سماءة، ولهذا قال الفارسي: هو كقوله تعالى في سورة (القمر) رقم [٧]: {كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ}. و {كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} رقم [٢٠] من سورة (القمر) أيضا، يعني: فجاء على أحد الجائزين.

{كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً} أي: كان وعد الله بالقيامة، والحساب، والجزاء كائنا لا شك فيه، ولا خلف. وقال مقاتل-رحمه الله تعالى-: كان وعده بأن يظهر دينه على الدين كله. انتهى.

قرطبي. أقول: وقد ذكر ما قاله مقاتل في كثير من الآيات مثل آية (الصف) رقم [٩] ونحوه، وقد حقق الله وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، أي: جند الرحمن، أما بعد أن صار المسلمون جنودا للشيطان؛ فلا ينصرون. هذا؛ وعلى عود الضمير ل‍: (ليوم) فيكون المعنى: وعد يوم القيامة واقعا لا ريب فيه.

الإعراب: {السَّماءُ:} مبتدأ. {مُنْفَطِرٌ:} خبره. {بِهِ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما؛ لأنه اسم فاعل، والجملة الاسمية في محل نصب صفة ثانية ل‍: {يَوْماً،} أو هي في محل نصب حال منه بعد وصفه بما تقدم، والرابط: الضمير فقط. {كانَ:} فعل ماض ناقص. {وَعْدُهُ:} اسم (كان)، والهاء في محل جر بالإضافة من إضافة المصدر لفاعله، وهذا على عود الضمير إلى الله، ولم يجر له ذكر لعلمه من المقام، وعلى عوده إلى (اليوم) فتكون الإضافة من إضافة المصدر لمفعوله، وفاعله محذوف، والجملة الفعلية مفيدة للتعليل، لا محل لها. {مَفْعُولاً:} خبر {كانَ}.

{إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اِتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (١٩)}

الشرح: {إِنَّ هذِهِ} أي: الآيات، أو السورة بكاملها. وقيل: آيات القرآن؛ إذ هو كالسورة الواحدة. {تَذْكِرَةٌ:} عظة للخلق أجمعين، لما فيها من الزواجر، والقوارع. {فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً} أي: فمن شاء من الغافلين الناسين، أو المعرضين كبرا وعنادا عن عبادة الله، وطاعته؛ فليستفد من هذه التذكرة قبل فوات الأوان، وليسلك طريقا موصلا إلى الرحمن بالطاعة والإيمان. فالأسباب ميسّرة، والسبل معبّدة؛ لأن الله تعالى قد أظهر الحقائق بما

<<  <  ج: ص:  >  >>