للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال مكي بن أبي طالب القيسي-رحمه الله تعالى-: (ما): في موضع نصب ب‍: (خلق)، عطف على الكاف والميم في خلقكم، وهي مع الفعل مصدر، أي: والله خلقكم وعملكم، وهذا أليق بها؛ لأنه تعالى قال: {مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ} فأجمع القراء المشهورون وغيرهم على إضافة {شَرِّ} إلى {ما،} وذلك يدل على خلقه للشر عز وجل كما خلق الخير.

وقد فارق عمرو بن عبيد رئيس المعتزلة جماعة المسلمين، فقرأ: «(من شرّ ما خلق)» بالتنوين ليثبت أن مع الله خالقا يخلق الشر، تعالى الله عما قاله علوا كبيرا، وقوله إلحاد، والصحيح:

أن الله جل ذكره أعلمنا: أنه خلق الشر، وأمرنا أن نتعوذ منه، وهو خالق الخير بلا اختلاف بين المسلمين، والملحدين، فدل ذلك: أن الله تعالى خلق أعمال العباد كلها، من خير وشر، فيجب أن تكون {ما} والفعل مصدرا، فيكون معنى الكلام إن الله عمّ جميع الأشياء أنها مخلوقة له، قال جل ذكره: {وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ} أي: وعملكم.

وقد قالت المعتزلة: إن (ما) بمعنى: الذي؛ فرارا من أن يقروا بعموم الخلق لله، فإنما أخبر على قولهم أنه خلقهم وخلق الأشياء التي نحتت منها الأصنام، وبقيت الأعمال، والحركات غير داخلة في خلق الله، تعالى الله عن ذلك، بل كل شيء خلق لله وحده، لا خالق لشيء إلا هو، وخلق الله لإبليس-الذي هو الشر كله-يدل على خلق الله لجميع الأشياء كلها، وقد قال تعالى ذكره: {هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ}. ويجوز أن تكون (ما) استفهاما في موضع نصب ب‍: {تَعْمَلُونَ} على التحقير لعملهم، والتصغير له. انتهى. بحروفه.

{قالُوا اِبْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (٩٧) فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ (٩٨)}

الشرح: {قالُوا} أي: قال قوم إبراهيم عليه السّلام متشاورين فيما بينهم لما غلبهم بالحجة حسب ما رأيت في سورة (الأنبياء). {اِبْنُوا لَهُ بُنْياناً:} واملؤوه حطبا، واضرموا فيه النار، ثم ألقوه فيه وهو الجحيم. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: بنوا حائطا من حجارة، طوله في السماء ثلاثون ذراعا، وملؤوه نارا، ثم طرحوه فيه. قال عبد الله بن عمرو بن العاص-رضي الله عنه-: فلما صار في البنيان، قال: حسبي الله، ونعم الوكيل. والألف واللام في (الجحيم) بدل من الضمير العائد إلى البنيان، التقدير: فألقوه في جحيمه؛ أي: في ناره المستعرة، فكانت عليه بردا، وسلاما. {فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً} أي: شرا، وهو أن يحرقوه. والكيد: المكر. {فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ:} المقهورين المغلوبين؛ لأنه لم ينفذ فيه مكرهم، وكيدهم. وما أحراك أن تنظر ما ذكرته في سورة (الأنبياء)، فإنك تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.

الإعراب: {قالُوا:} فعل ماض، وفاعله، والألف للتفريق. {اِبْنُوا:} فعل أمر مبني على حذف النون لاتصاله بواو الجماعة، ويقال: لأن مضارعه من الأفعال الخمسة، والواو ضمير

<<  <  ج: ص:  >  >>