للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{اِعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٧)}

الشرح: جاء في مختصر ابن كثير للصابوني ما يلي: فيه إشارة إلى أن الله يلين القلوب بعد قسوتها، ويهدي الحيارى بعد ضلتها، ويفرج الكروب بعد شدتها، فكما يحيي الأرض الميتة المجدبة الهامدة بالغيث الهتان الوابل، كذلك يهدي القلوب القاسية ببراهين القرآن والدلائل، ويولج إليها النور بعد أن كانت مقفلة لا يصل إليها الواصل، فسبحان الهادي لمن يشاء بعد الضلال، والمضل لمن أراد بعد الكمال، هو الذي لما يشاء فعال، وهو الحكيم العدل في كل الفعال، اللطيف الخبير الكبير المتعال. انتهى.

هذا؛ وفي الجمل نقلا عن زاده: يعني: أن قوله: {يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها} استعارة تمثيلية، والمعنى: يلين القلوب بالذكر بعد قساوتها، شبه تليين القلوب بالخشوع المسبب عن الذكر، وتلاوة القرآن بإحياء الأرض الميتة بالغيث؛ من حيث اشتمال كل واحد منهما على بلوغ الشيء إلى كماله المتوقع بعد خلوه عنه. ويحتمل أن يكون تمثيلا لإحياء الأموات؛ بأن شبّه إحياؤها بإحياء الأرض الميتة، فمن قدر على الثاني، فهو قادر على الأول، فحقه أن تخشع القلوب لذكره. وإنما حمل على التمثيل لترتبط هذه الاية بما قبلها. انتهى. وانظر مثل هذه الترجي في الاية رقم [٤٩] من سورة (الذاريات).

هذا؛ والعقل: نور روحاني به تدرك النفس ما لا تدركه بالحواس الظاهرة. وسمي العقل عقلا؛ لأنه يعقل صاحبه؛ أي: يمنعه من فعل الرذائل؛ لذا فإن كل شخص لا يسير على الجادة المستقيمة لا يكون عاقلا بالمعنى الصحيح، وخذ قول الشاعر: [البسيط] لم يبق من جلّ هذا الناس باقية... ينالها الوهم إلا هذه الصور

لا يدهمنّك من دهمائهم عدد... فإنّ جلّهم بل كلّهم بقر

يقول: لا يدهمنك من جماعتهم الكثيرة عدد فيهم غناء ونصرة، فإن كلهم كالأنعام والبهائم، ولله در القائل: [المنسرح] لا يدهمنك اللّحاء والصور... تسعة أعشار من ترى بقر

في شجر السّرو منهم شبه... له رواء ما له ثمر

ورضي الله عن حسان بن ثابت؛ إذ يقول: [البسيط] لا بأس بالقوم من طول ومن عظم... جسم البغال وأحلام العصافير

فقد ورد: أن رجلا معتوها مرّ على مجلس النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال الصحابة الكرام رضوان الله عليهم: (هذا رجل مجنون) فقال سيد الخلق، وحبيب الحق، الناطق بالصدق: «هذا مصاب،

<<  <  ج: ص:  >  >>