تقديره:«أنا»، وهو المفعول الأول. {كِتابِيَهْ:} مفعول به ثان منصوب مثل سابقه، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة، والياء في محل جر بالإضافة، والهاء للسكت حرف لا محل له... إلخ، والجملة الفعلية في محل رفع خبر (ليت)، والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول، وجملة:(يقول...) إلخ في محل رفع خبر المبتدأ، الذي هو {مَنْ،} والجملة الاسمية معطوفة على مثلها في الآية رقم [١٩].
{وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ (٢٦) يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ (٢٧) ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ (٢٨) هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ (٢٩)}
الشرح:{وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ} أي: لم أعلم، أيّ شيء حسابي؛ لأنه لا طائل، ولا حاصل له، وإنما كله عليه، لا له. {يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ:} تمنى: أنه لم يبعث للحساب. والمعنى:
يا ليت الموتة التي متها في الدنيا كانت القاضية عن كل ما بعدها، والقاطعة للحياة، أي: لا أحيا بعدها، قال قتادة: تمنى الموت، ولم يكن شيء أكره منه إليه، أي: من الموت في الدنيا، لأنه رأى تلك الحالة أشنع، وأمر مما ذاقه من الموت. {ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ} أي: لم يدفع عني مالي، وغناي شيئا من العذاب. {هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ} أي: زال عني ملكي، وسلطاني، ونسبي، وجاهي، فلا معين، ولا مجير، ولا صديق، ولا نصير. أو زال عني قوتي، وتسلطي على الناس، وبقيت ذليلا فقيرا حقيرا. وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-: ضلت عني حجتي. أي:
بطلت حجتي؛ التي كنت أحتج بها في الدنيا. هذا؛ وانظر شرح (سلطان) في سورة (الذاريات) رقم [٣٨].
فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أغيظ رجل على الله يوم القيامة، وأخبثه رجل تسمى ملك الأملاك، ولا ملك إلا الله». أخرجه مسلم، وعن فناخسرو الملقب بالعضد: أنه لما قال: [الرمل]
عضد الدولة وابن ركنها... ملك الأملاك غلاب القدر
لم يفلح بعده، وجن، فكان لا ينطق لسانه إلا بهذه الآية:«هلك عني سلطانيه». هذا؛ والتمني: طلب المستحيل، كما في الآية رقم [٢٥ و ٢٧] وكقول أبي العتاهية الصوفي-وهو في «فتح القريب المجيب» و «فتح رب البرية» -: [الوافر]
ألا ليت الشباب يعود يوما... فأخبره بما فعل المشيب
وأما الترجي؛ فهو طلب المتوقع حصوله، كقولك: لعل الغائب قادم، أو للتعليل كقوله تعالى في سورة (طه) رقم [٤٤]: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى}.