للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (٩)}

الشرح: {وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا..}. إلخ: قال أبو السعود، وغيره: وهذا تتمة للتمثيل، وتكميل له؛ أي: لما في الآية السابقة. انتهى. والمعنى: منعناهم عن الإيمان بموانع، فهم لا يستطيعون الخروج من الكفر إلى الإيمان، كالمضروب أمامه وخلفه بالأسداد، فيكون في الكلام استعارة كما في الآية السابقة. {فَأَغْشَيْناهُمْ:} أي: فأغشينا أبصارهم؛ أي: غطيناها، وجعلنا عليها غشاوة. فهي معنوية مستعارة لعدم الاهتداء، ورؤية طريق الحق والصواب. وقرئ:

«(فأغشيناهم)» بالعين من: العشاء في العين، وهو ضعف البصر؛ حتى لا تبصر في الليل، قالت عاتكة عمة النبي صلّى الله عليه وسلّم: [مجزوء الكامل] بعكاظ يعشي النّاظري‍... ن إذا هم لمحوا شعاعه

{فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} أي: طريق الهدى، والحق؛ وإن كانت لهم عيون، كما قال تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} الآية رقم [١٨] من سورة (البقرة).

هذا؛ وقيل: نزلت الآيتان في أبي جهل، وصاحبيه المخزوميين، وذلك أن أبا جهل-لعنه الله- حلف: لئن رأى محمدا يصلي ليرضخنّ رأسه بحجر، فلما رآه؛ ذهب، فرفع حجرا ليرميه، فلما أومأ إليه رجعت يده إلى عنقه، والتصق الحجر بيده. قاله ابن عباس، وعكرمة، وغيرهما، فهو على هذا تمثيل، أي هو بمنزلة من غلّت يده إلى عنقه. فلما عاد إلى صاحبيه أخبرهما بما حل به، فقال الرجل الثاني، وهو الوليد بن المغيرة: أنا أرضخ رأسه، فأتاه، وهو يصلي على حالته ليرميه بالحجر، فأعمى الله بصره، فجعل يسمع صوته، ولا يراه، فرجع إلى أصحابه، فلم يرهم حتى نادوه، فقال: والله ما رأيته، ولقد سمعت صوته. فقال الثالث: والله لأشدخنّ أنا رأسه، ثم أخذ الحجر، وانطلق، فرجع القهقرى ينكص على عقبيه حتى خر على قفاه مغشيا عليه، فقيل له:

ما شأنك؟ قال: شأني عظيم، رأيت الرجل، فلمّا دنوت منه، فإذا فحل من الإبل يخطر بذنبه، ما رأيت قط فحلا أعظم منه، حال بيني وبينه، فو اللات والعزى لو دنوت منه لأكلني! فأنزل الله تعالى: {إِنّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً..}. إلخ. انتهى. قرطبي ومثله في الكشاف، والخازن.

تنبيه: في ليلة الهجرة المباركة التي تآمرت فيها كفار قريش على قتل النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأحاطوا في بيته وأخذوا يرصدونه وترقبوا خروجه ليضربوه ضربة رجل واحد، أمر ابن عمه عليا أن ينام في فراشه، وأخذ كفا من تراب، فرماهم به، وخرج من بيته، وهو يقرأ يس والقرآن الحكيم... إلخ، إلى قوله تعالى: {فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ،} فأعمى الله أبصارهم، فلم يبصروه حين خرج، وهذا شيء مشهور ومسطور.

<<  <  ج: ص:  >  >>