للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{لَفَسَدَتا:} اللام: واقعة في جواب {لَوْ}. (فسدتا): ماض، والتاء للتأنيث، وحركت بالفتحة لا لتقائها ساكنة مع ألف الاثنين التي هي فاعله، والجملة الفعلية جواب {لَوْ،} لا محل لها، و {لَوْ} ومدخولها كلام مستأنف لا محل له. {فَسُبْحانَ:} الفاء: حرف استئناف. (سبحان): مفعول مطلق لفعل محذوف، وهو مضاف، و {اللهُ} مضاف إليه، من إضافة المصدر، أو اسم المصدر لفاعله، فيكون المفعول محذوفا، أو من إضافته لمفعوله فيكون الفاعل محذوفا، والجملة الحاصلة منه، ومن فعله المحذوف مستأنفة، لا محل لها. {رَبِّ:} صفة لفظ الجلالة، أو بدل منه، و {رَبِّ} مضاف، و {الْعَرْشِ} مضاف إليه، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {عَمّا:} جار ومجرور متعلقان ب‍: (سبحان) وانظر بقية الإعراب في الآية رقم [١٨] فهو مثله بلا فارق.

{لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (٢٣)}

الشرح: {لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ} أي: لا يسأل الله عمّا يفعله، ويقضيه في عباده من إعزاز، وإذلال، وهدى، وإضلال، وإسعاد، وإشقاء؛ لأنه تعالى المالك على الحقيقة، ولو اعترض على الملك بعض خدمه، وحشمه مع وجود التجانس، وجواز الخطأ عليه، وعدم الملك الحقيقي؛ لا ستقبح ذلك منه، وعدّ سفها، فالذي هو مالك الملوك، ورب الأرباب، وفعله كله صواب أولى بأن لا يعترض عليه. {وَهُمْ يُسْئَلُونَ:} والناس يسألون عن أعمالهم سؤال توبيخ، وتبكيت، يقال لهم يوم القيامة: لم فعلتم كذا؟ لأنهم عبيد يجب عليهم امتثال أمر مولاهم، والله تعالى ليس فوقه أحد.

قال القرطبي-رحمه الله تعالى-: وهذه الآية قاصمة للقدرية، وغيرهم، وروي عن عليّ -رضي الله عنه-: أن رجلا قال له: يا أمير المؤمنين! أيجب ربنا أن يعصى؟ قال: أفيعصى ربنا قهرا؟ قال: أرأيت إن منعني الهدى، ومنحني الردى؛ أأحسن إليّ أم أساء؟ قال: إن منعك حقك؛ فقد أساء، وإن منعك فضله، فهو فضله يؤتيه من يشاء، ثم تلا الآية. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-قال: لما بعث الله-عز وجل-موسى، وكلمه، وأنزل عليه التوراة؛ قال:

اللهم إنك رب عظيم، لو شئت أن تطاع؛ لأطعت، ولو شئت ألا تعصى ما عصيت، وأنت تحب أن تطاع، وأنت في ذلك تعصى، فكيف هذا يا رب؟! فأوحى الله إليه: إني لا أسأل عما أفعل، وهم يسألون.

تنبيه: من الصفات التي امتاز بها القرآن: الإيجاز في الألفاظ مع احتوائها على المعاني الكثيرة التي تحتاج إلى كلام كثير، ومن ذلك قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ} وفي الآية الكريمة إيجاز واضح وظاهر، ولقد أعجب الناس بقول السموءل: [الطويل]

وننكر إن شئنا على الناس قولهم... ولا ينكرون القول حين نقول

<<  <  ج: ص:  >  >>