للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ سُبْحانَ اللهِ عَمّا يُشْرِكُونَ (٤٣)}

الشرح: {أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ:} يخلق، ويرزق، ويعطي، ويمنع، يرفع، ويضع، يعز، ويذل... إلخ. {سُبْحانَ اللهِ عَمّا يُشْرِكُونَ:} نزه الله نفسه أن يكون له شريك. قال الخليل-رحمه الله تعالى-: كل ما في سورة (الطور) من ذكر {أَمْ} فكلمة استفهام، وليس بعطف. وأقول:

فهذا في المعنى، وهو مفيد للإنكار، والتوبيخ، والتقريع، ولكن في الإعراب لا بد من اعتبارها عاطفة صناعة.

هذا؛ و {سُبْحانَ} اسم مصدر. وقيل: هو مصدر، مثل: غفران، وليس بشيء؛ لأن الفعل «سبّح» بتشديد الباء، والمصدر: تسبيح، ولا يكاد يستعمل إلاّ مضافا منصوبا بإضمار فعله، مثل:

معاذ الله. وقد أجري علما على التسبيح بمعنى التنزيه على الشذوذ في قول الأعشى: [السريع] قد قلت لمّا جاءني فخره... سبحان من علقمة الفاخر

وتصدير الكلام به اعتذار عن الاستفسار، والجهد بحقيقة الحال، ولذلك جعل مفتاح التوبة، فقد قال الله تعالى، حكاية عن قول موسى-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-:

{سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ،} وقد نزه الله ذاته في كثير من الايات بنفسه تنزيها يليق بجلاله وعظمته. وجملة القول فيه: هو اسم موضوع موضع المصدر، وهو غير متمكن؛ لأنه لا يجري بوجوه الإعراب، من رفع وجر، ولا تدخل عليه الألف واللام، ولم يجئ من لفظه فعل، وذلك مثل: قعد القرفصاء، ولم ينصرف؛ لأن في آخره زائدتين: الألف والنون، ومعناه: التنزيه والبراءة لله عز وجل من كل نقص، فهو ذكر عظيم لله تعالى، لا يصلح لغيره. وقد روي عن طلحة الخير بن عبيد الله، أحد العشرة المبشرين بالجنة-رضي الله عنهم أجمعين-أنه قال للنبي صلّى الله عليه وسلّم: ما معنى سبحان الله؟ فقال: «تنزيه الله من كلّ سوء». والعامل فيه على مذهب سيبويه، الفعل الذي من معناه، لا من لفظه؛ إذ لم يجر له من لفظه فعل، وذلك مثل: قعد القرفصاء، فالتقدير عنده: أنزه الله تنزيها، فوقع سبحان الله مكان قولك: تنزيها لله. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {أَمْ:} حرف عطف. {لَهُمْ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم.

{إِلهٌ:} مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها. {غَيْرُ:} صفة {إِلهٌ} وهو مضاف، و {اللهِ} مضاف إليه. {سُبْحانَ:} مفعول مطلق لفعل محذوف كما رأيت في الشرح، و {سُبْحانَ} مضاف، و {اللهِ} مضاف إليه، من إضافة المصدر، أو اسم المصدر لفاعله، فيكون المفعول محذوفا، أو من إضافته لمفعوله، فيكون الفاعل محذوفا، والفعل المقدر، والمصدر جملة فعلية مستأنفة، لا محل لها. {عَمّا:} جار ومجرور متعلقان ب‍: {سُبْحانَ،} و (ما) تحتمل

<<  <  ج: ص:  >  >>