للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشرط محذوف، لدلالة {فَهَلْ عَسَيْتُمْ} عليه، أو هو نفس: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ} عند من يرى تقديمه، والمصدر المؤول من: {أَنْ تُفْسِدُوا} في محل نصب خبر (عسى)، ولا بدّ من تحويل المصدر إلى اسم فاعل «مفسدين»؛ لأن المصدر لا يخبر به عن الجثة، والجملة الشرطية معترضة بين اسم: (عسى) وخبرها، ومثل هذه الاية في إعرابها الاية رقم [٢٤٦] من سورة (البقرة). {فِي الْأَرْضِ:} متعلقان بما قبلهما. {وَتُقَطِّعُوا:} الواو: حرف عطف. (تقطعوا): معطوف على:

{تُفْسِدُوا،} فهو منصوب مثله، وعلامة نصبهما حذف النون؛ لأنهما من الأفعال الخمسة، والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل، والألف للتفريق. {أَرْحامَكُمْ:} مفعول به، والكاف ضمير متصل في محل جر بالإضافة، وجملة: {عَسَيْتُمْ..}. إلخ، مستأنفة، لا محلّ لها.

{أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ (٢٣)}

الشرح: {أُولئِكَ:} إشارة إلى الذين قطعوا أرحامهم. {الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ:} طردهم من رحمته، وحرمهم من جوده، وفضله، وإحسانه. {فَأَصَمَّهُمْ} أي: أذهب سمعهم. فلم يقل جلّت قدرته: فأصم آذانهم، كما قال: وأعمى أبصارهم، ولم يقل: وأعماهم؛ لأنه لا يلزم من ذهاب الأذن ذهاب السماع، فلم يتعرض لها، والأعين يلزم من ذهابها ذهاب الأبصار، {فَأَصَمَّهُمْ} أي: عن الحق. {وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ} أي: عن الحق، وأبعدهم عن الخير، فأتبع الله الأخبار بأن من فعل ذلك؛ حقّت عليه لعنته، وسلبه الانتفاع بسمعه، وبصره؛ حتى لا ينقاد للحق، وإن سمعه بأذنه، ورآه بعينه، فجعله كالبهيمة؛ التي لا تعقل، قال تعالى في سورة (البقرة) رقم [١٨]: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ} وقال جلّ ذكره في سورة (الأعراف) رقم [١٧٩]: {وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ..}. إلخ.

هذا؛ وعن عبد الرحمن بن عوف-رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: قال الله عزّ وجل: «أنا الله، وأنا الرحمن، خلقت الرّحم، وشققت لها اسما من اسمي، فمن وصلها؛ وصلته، ومن قطعها؛ قطعته، أو قال: بتتّه». رواه أبو داود، والترمذي. وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من سرّه أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره؛ فليصل رحمه». رواه البخاري. وعن عائشة-رضي الله عنها-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «الرّحم معلّقة بالعرش، تقول: من وصلني؛ وصله الله، ومن قطعني؛ قطعه الله». رواه البخاري، ومسلم. واللفظ له. وعن أبي بكرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من ذنب أجدر أن يعجّل الله لصاحبه العقوبة في الدّنيا مع ما يدّخره له في الاخرة من البغي، وقطيعة الرّحم». رواه ابن ماجه، والترمذي؛ وقال: حديث حسن صحيح، والأحاديث في «الترغيب والترهيب» في ذلك كثيرة مشهورة ومسطورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>