هذا؛ ولقد كرّر الله لعن الكافرين في الاية رقم [١٦١] من سورة (البقرة)، كما لعن الظالمين، والكاذبين، والناقضين للعهد، والميثاق في آيات متفرقة، وهو دليل قاطع على أن من مات على كفره، فقد استحق اللعن من الله، والملائكة، والناس أجمعين، وأمّا الأحياء من الكفار؛ فقد قال العلماء: لا يجوز لعن كافر معين؛ لأنّ حاله لا يعلم عند الوفاة، فلعله يؤمن، ويموت على الإيمان، وقد قيد الله في آية البقرة إطلاق اللعنة على من مات على الكفر، ويجوز لعن الكفار جملة بدون تعيين، كما في قولك: لعن الله الكافرين، يدلّ عليه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم:«لعن الله اليهود حرّمت عليهم الشحوم، فجمّلوها، وباعوها».
وذهب بعضهم إلى جواز لعن إنسان معين من الكفار، بدليل جواز قتاله، وهو الصحيح، كيف لا؟ وقد لعن حسان بن ثابت-رضي الله عنه-أبا سفيان وزوجه هندا قبل أن يسلما في شعره، ولم ينكر عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم خذ قوله:[الكامل] لعن الإله وزوجها معها... هند الهنود طويلة البظر
وقد لعن الفاروق-رضي الله عنه-أبا سفيان، وعكرمة بن أبي جهل، وأبا الأعور السلمي، وغيرهم؛ الذين قدموا المدينة المنورة بعد غزوة أحد، وقد أعطاهم النبي صلّى الله عليه وسلّم الأمان على أن يكلموه، فقام معهم جماعة من المنافقين، وقالوا للنبي صلّى الله عليه وسلّم: ارفض ذكر آلهتنا بسوء، وقل: إن لها شفاعة لمن عبدها، وندعك وربك! فشق ذلك على سيد الخلق، وحبيب الحق، فقال الفاروق: يا رسول الله! ائذن لي في قتلهم، فقال:«إني أعطيتهم الأمان!». فقال الفاروق-رضي الله عنه-: اخرجوا في لعنة الله، وغضبه، ولم ينكر عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك، كيف لا؟ وآية النور رقم [٧] تأمر المسلم أن يلعن نفسه إن كان من الكاذبين، والرسول صلّى الله عليه وسلّم لعن عبد الله بن أبي ابن سلول وبني قينقاع لمّا تشفع فيهم، وألحّ عليه، فقال صلّى الله عليه وسلّم:«خلّوهم لعنهم الله، ولعنه معهم»؛ وقال له:
«خذهم لا بارك الله لك فيهم». زيني دحلان. هذا؛ وقال بكر المزني: نزلت الايتان في الحرورية، والخوارج؛ وفيه بعد. وقال ابن حيان: نزلت في قريش. ونحوه قال المسيب بن شريك، والفراء؛ قالا: نزلت في بني أمية وبني هاشم. ودليل هذا التأويل ما روى عبد الله بن مغفل، قال سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول:{فَهَلْ عَسَيْتُمْ..}. إلخ ثم قال:«هم الحيّ من قريش أخذ الله عليهم إن ولوا الناس؛ ألاّ يفسدوا في الأرض، ولا يقطعوا أرحامهم». انتهى. قرطبي، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب:{أُولئِكَ الَّذِينَ:} انظر الاية رقم [١٦] فالإعراب لا يتغير. {لَعَنَهُمُ:} فعل ماض، والهاء مفعول به. {اللهُ:} فاعله، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها. {فَأَصَمَّهُمْ:}
الفاء: حرف عطف. (أصمهم): فعل ماض، والهاء مفعول به، والفاعل يعود إلى:{اللهُ،} والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محلّ لها مثلها، والتي بعدها معطوفة عليها، لا محلّ لها أيضا.