الشرح: لقد ذكر الله تعالى الآية ولا حقتها في سورة (الأعراف) برقم [٨ و ٩] وهناك زيادة هذه الجملة قبلهما: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ} وذكر ثقل الموازين وخفتها في سورة (القارعة) أيضا، وذكرت لك في الآية رقم [١٠٥] من سورة (الكهف) الاختلاف في الوزن، هل هو للأعمال، أو للأشخاص؟ انظرها تجد ما يسرك، ويثلج صدرك. وأقول هنا: الجمهور على أن صحائف الأعمال توزن بميزان، له لسان، وكفتان، ينظر إليه الخلائق إظهارا للمعدلة، وقطعا للمعذرة، كما يسألهم عن أعمالهم فينكرون، ولكن تعترف بها ألسنتهم، وتشهد بها جوارحهم، كما في سورة (النور)، وسورة (يس)، وسورة (فصلت).
والحكمة من وزن الأعمال مع علم الله بمقاديرها تتجلى فيما يلي: منها: إظهار العدل الإلهي، وأن الله لا يظلم مثقال ذرة. ومنها: امتحان الخلق بالإيمان بذلك في الدنيا، وإقامة الحجة عليهم في العقبى. ومنها: تعريف العباد ما لهم من خير، وشر، وحسنة، وسيئة. ومنها:
إظهار علامة السعادة، والشقاوة. {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ} أي: رجحت حسناته على سيئاته، و (موازين) جمع: ميزان، وأصله موزان، قلبت الواو ياء لسكونها، وانكسار ما قبلها، ومثله:
ميعاد، وميثاق، وميراث، وميقات، فأصل الياء فيهن واو. {الْمُفْلِحُونَ:} الفائزون برضا الله، ودخول الجنة، الناجون من سخطه، ومن عذاب النار؛ لأن الفلاح اسم جامع للخلاص من كل مكروه، والفوز بكل محبوب، وأصله: المؤفلحون، انظر الآية رقم [١١٧] الآتية لإعلاله.
الإعراب:{فَمَنْ:} الفاء: حرف تفريع، واستئناف. (من): اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {ثَقُلَتْ:} ماض مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط، والتاء للتأنيث حرف لا محل له. {مَوازِينُهُ:} فاعله، والهاء في محل جر بالإضافة. {فَأُولئِكَ:} الفاء: واقعة في جواب الشرط. (أولئك): اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ، والكاف حرف خطاب لا محل له. {هُمُ:} ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ ثان. {الْمُفْلِحُونَ:}
خبره مرفوع، وعلامة رفعه الواو... إلخ، والجملة الاسمية في محل رفع خبر أولئك. هذا؛ وإن اعتبرت {هُمُ} ضمير فصل لا محل له. فيكون {الْمُفْلِحُونَ} خبر (أولئك)، وعلى الوجهين فالجملة الاسمية في محل جزم جواب الشرط عند الجمهور، والدسوقي يقول: لا محل لها؛ لأنها لم تحل محل المفرد، وخبر المبتدأ الذي هو (من) مختلف فيه، فقيل: هو جملة الشرط، وقيل:
هو جملة الجواب، وقيل: هو الجملتان، وهو المرجح لدى المعاصرين، وإن اعتبرت (من) اسما موصولا؛ فهو مبتدأ، والجملة الفعلية بعده صلته، والجملة الاسمية:(أولئك...) إلخ في محل رفع خبره، وزيدت الفاء في الخبر؛ لأن الموصول يشبه الشرط في العموم، وعلى جميع الاعتبارات؛ فالجملة الاسمية مفرعة عما قبلها، ومستأنفة، لا محل لها.