تنبيه: أفادت الآية الكريمة: أن الله هو مصرف القلوب، وقالبها ومقلبها، وفيها رد على القدرية في اعتقادهم أن قلوب الخلق بأيديهم، وجوارحهم بحكمهم، يتصرفون بمشيئتهم، ويحكمون بإرادتهم واختيارهم. انتهى. قرطبي بتصرف كبير.
الإعراب:{وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ} انظر إعراب مثل هذا الكلام في الآية رقم [١٢٤]. {هَلْ}: حرف استفهام. {يَراكُمْ}: مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر، والكاف مفعول به. {مِنْ}: حرف جر وصلة. {أَحَدٍ}: فاعله مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، وجملة:{هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ}: في محل نصب مقول القول، التقدير: وقالوا هل... إلخ، وهذه الجملة معطوفة على جواب إذا لا محل لها مثله، وجملة:{اِنْصَرَفُوا} معطوفة أيضا على جواب إذا لا محل لها أيضا. {صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ}: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة الفعلية مستأنفة لا محل لها. {بِأَنَّهُمْ}: الباء: حرف جر. (أنهم): حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمها، {قَوْمٌ}: خبرها، وجملة:{لا يَفْقَهُونَ}: في محل رفع صفة: {قَوْمٌ،} وأن واسمها وخبرها في تأويل مصدر في محل جر بالباء، والجار والمجرور متعلقان بالفعل:{صَرَفَ}.
الشرح:{لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ}: هذا الخطاب للعرب الذين امتن الله عليهم برسالة محمد صلّى الله عليه وسلّم، وقال الزجاج: خطاب لجميع العالم. {مِنْ أَنْفُسِكُمْ}: من جنسكم عربي تعرفون حسبه ونسبه، أو من جنسكم بشر، والأول أولى بالاعتبار، هذا؛ وقرئ: «(من أنفَسكم)» بفتح الفاء، أي: من أشرفكم، وانظر شرح {رَسُولٌ} في الآية رقم [٧٤] وشرح «النّفس» في الآية [٩] من سورة (الأعراف). {عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ} أي: يشق عليه عنتكم، ولقاؤكم المكروه، والعنت المشقة والعناء. {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} أي: على إيمانكم، وصلاح أحوالكم في الدنيا والآخرة، والحرص: المحافظة الشديدة على الشيء، والخوف عليه أن يضيع أو يتلف. {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ}: انظر {رَؤُفٌ} في الآية رقم [١١٧] وقد قدم الأبلغ منهما مع كونهما صيغتي مبالغة؛ لأن الرأفة شدة الرحمة.
قال الحسن بن الفضل: لم يجمع الله لأحد من أنبيائه اسمين من أسمائه، إلا للنبي صلّى الله عليه وسلّم، فإنه قال:{بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ،} وقال: {إِنَّ اللهَ بِالنّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ}.
أقول: وينبغي الانتباه للاتصاف بالاسمين بين الخالق والمخلوق، فرأفته ورحمته سبحانه وتعالى عامة لجميع الناس، لذا فقد أكدت الجملة الاسمية ب (إنّ) ولام التوكيد، بينما رحمته صلّى الله عليه وسلّم، ورأفته خاصة بالمؤمنين، وهي خالية من أدوات التوكيد.