{إِنِّي:} حرف مشبه بالفعل، و (يا) المتكلم اسمه. {بِما:} جار ومجرور متعلقان ب: {بَصِيرٌ} بعدهما، و:(ما): تحتمل الموصولة، والموصوفة، والمصدرية، فعلى الأولين مبنية على السكون في محل جر بالباء، والجملة الفعلية بعدها صلتها، أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف، التقدير: بالذي، أو بشيء تعملونه، وعلى اعتبار (ما) مصدرية تؤول مع الفعل بعدها بمصدر في محل جر بالباء، التقدير: بعملكم. {بَصِيرٌ:} خبر (إنّ)، والجملة الاسمية:
الشرح:{وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ} أي: وسخرنا لسليمان الريح. ويقرأ برفع الريح. {غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ} أي: جريها بالغداة، أي في الصباح مسيرة شهر، وجريها بالعشي مسيرة شهر آخر، فكانت تسير به في كل يوم واحد مسيرة شهرين. قيل: كان يغدو من دمشق، فيقيل بإصطخر، وبينهما مسيرة شهر، ثم يروح من إصطخر، فيبيت بكابل، وبينهما مسيرة شهر للراكب المسرع. هذا؛ وقد قال تعالى في سورة (الأنبياء) الآية رقم [٨١]: {وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ..}. إلخ وقال في سورة (ص) الآية رقم [٣٦]: {فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ}.
قال وهب بن منبه: كان سليمان عليه السّلام؛ إذا خرج إلى مجلسه؛ حلقت عليه الطير، وقام له الإنس، والجن؛ حتى يجلس على سريره، وكان امرءا غزاء قلّما يقعد عن الغزو، ولا يسمع بناحية من الأرض بملك إلا أتاه؛ حتى يذله. وكان فيما يزعمون: أنه إذا أراد الغزو؛ أمر بخشب فمدت، ورفع عليها الناس والدواب، وآلة الحرب، فإذا حمل معه ما يريد؛ أمر العاصف من الريح، فمرت تحت الخشب، فاحتملته حتى إذا استقلت به؛ أمر الرخاء، فمرت به شهرا في روحته، وشهرا في غدوته إلى حيث أراد. انتهى. وهذا يعني: أن العاصف للإقلاع، والرخاء للسير بهدوء؛ لئلا يضطرب الناس الذين هم على بساط الريح. قال أحمد محشي الكشاف: وهذا كما ورد وصف عصا موسى تارة بأنها جان، وتارة بأنها ثعبان، والجان الرقيق من الحيات، والثعبان العظيم الجافي منها، ووجه ذلك: أنها جمعت الوصفين، فكانت في خفتها، وفي سرعة حركتها كالجان، وكانت في عظم خلقها كالثعبان، ففي كل واحد من الريح، والعصا على هذا التقرير معجزتان. والله سبحانه، وتعالى أعلم.
{وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ:}{الْقِطْرِ:} النحاس، فعن ابن عباس، وغيره: أسيلت له مسيرة ثلاثة أيام كما يسيل الماء، وكانت بأرض اليمن، ولم يذب النحاس فيما روي لأحد قبله، وكان لا يذوب، ومن وقته ذاب، وإنما ينتفع الناس اليوم بما أخرج الله تعالى لسليمان. قال قتادة: