الشرح:({أَوَ}): الواو حرف عطف، دخلت عليها ألف الاستفهام، كما دخلت على الفاء في قوله تعالى:{أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} وغيرها كثير، وكما دخلت على ثمّ كقوله تعالى:{أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ} هذا قول سيبويه، وقال الأخفش: زائدة. ومذهب الكسائي: أنها ({أَوَ}) تحركت الواو منها تسهيلا، وقرأها قوم:(«أو») ساكنة الواو، فتجيء بمعنى «بل». وقال ابن عطية: وهذا تكلّف، والصحيح قول سيبويه. وانظر ما ذكرته في {أَفَلا} في الآية رقم [٤٤] فإنّه جيد. ({كُلَّما عاهَدُوا عَهْداً}): انظر الآية رقم [٢٧] ففيها الكفاية، والمعنيّ في الآية: مالك بن الصّيف من أحبار اليهود، كان قد قال: والله ما أخذ علينا عهد في كتابنا أن نؤمن بمحمّد، ولا ميثاق:
فنزلت هذه الآية الكريمة، وكانوا يقولون قبل مبعث النبي صلّى الله عليه وسلّم: لئن خرج محمّد لنؤمننّ به، ولنكوننّ معه على مشركي العرب، فلمّا بعث صلّى الله عليه وسلّم؛ كفروا به. انظر ما ذكرته في الآية رقم [٨٩] فإنّه جيد، وقال عطاء: هي العهود التي كانت بين النّبي صلّى الله عليه وسلّم وبين اليهود، فنقضوها، كفعل قريظة، والنضير، وقينقاع، ودليله قوله تعالى في سورة (الأنفال) رقم [٥٦]: {الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ}. {نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ:} النبذ: الطرح، والإلقاء، ومنه: النبيذ، والمنبوذ، وقال أبو الأسود الدؤلي-رحمه الله تعالى-: [الطويل]
وخبّرني من كنت أرسلت إنّما... أخذت كتابي معرضا بشمالكا
نظرت إلى عنوانه فنبذته... كنبذك نعلا أخلقت من نعالكا
وقال آخر:[الكامل]
إنّ الّذين أمرتهم أن يعدلوا... نبذوا كتابك واستحلّوا المحرّما
هذا؛ وسمّي اللّقيط منبوذا؛ لأنّه ينبذ على الطريق، وهو مثل يضرب لمن استخف بالشّيء، فلا يعمل به. تقول العرب: اجعل هذا خلفك، ودبرا منك، وتحت قدمك، أي: اتركه، وأعرض عنه. قال الله تعالى:{وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا} رقم [٩٢] من سورة (هود) على نبيّنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام. {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ:} أي بل أكثر اليهود لا يؤمنون الإيمان الصّادق بالله، ولا بالتّوراة، ولا بالرّسل، لذلك ينقضون العهود، والمواثيق.
الإعراب:({أَوَ}): الهمزة: حرف استفهام إنكاري توبيخي. الواو: حرف عطف على المعتمد. ({كُلَّما}): كلّ: ظرفية متعلقة بجوابها؛ إذ هي تحتاج إلى جملتين مرتبطتين ببعضهما