للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا؛ ولقد قال أرباب المعاني: ربط الله سبحانه وتعالى بني إسرائيل بذكر النّعمة، وأسقطه على أمّة محمد صلّى الله عليه وسلّم، ودعاهم إلى ذكره، فقال عزّ وجل: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} الآية رقم [١٥٢] الآتية، ليكون نظر الأمم من النّعمة إلى المنعم، ونظر أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم من المنعم إلى النّعمة. قرطبي.

الإعراب: {يا بَنِي إِسْرائِيلَ..}. إلخ: انظر مثله في الآية رقم [٤٠]. {فَضَّلْتُكُمْ:} فعل، وفاعل، ومفعول به، والجملة الفعلية في محل رفع خبر (أن)، و (أنّ) واسمها وخبرها في تأويل مصدر في محل نصب معطوف على {نِعْمَتِيَ}. {عَلَى الْعالَمِينَ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، وعلامة الجر الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، والنون بدل من التنوين في الاسم المفرد.

{وَاِتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٨)}

الشرح: {وَاتَّقُوا:} أصله: اتقيوا، وانظر إعلال مثله فيما تقدّم، وانظر شرح التقوى أيضا فيما تقدّم، والأمر معناه التهديد، والوعيد. {يَوْماً:} المراد به يوم القيامة، وما فيه من الحساب، والعذاب، والأهوال، وقد ذكر الله تعالى طوله في سورة (الحج) بقوله: {وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمّا تَعُدُّونَ} رقم [٤٧]، هذا واليوم في الدنيا هو الوقت من طلوع الشّمس إلى غروبها، وهذا في العرف، وأما اليوم الشرعي فهو من طلوع الفجر إلى غروب الشّمس، كما يطلق اليوم على اللّيل، والنهار معا، وقد يراد به الوقت مطلقا، تقول: ذخرتك لهذا اليوم، أي:

لهذا الوقت، والجمع: أيام، وأصله: أيوام، فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، وجمع الجمع: أياويم. وأيام العرب: وقائعها، وحروبها، وأيّام الله: نعمه، ونقمه، قال تعالى في سورة (يونس) رقم [١٠٢]: {فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلاّ مِثْلَ أَيّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ،} وقال تعالى في سورة (إبراهيم) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيّامِ اللهِ} ويقال: فلان ابن الأيام، أي: العارف بأحوالها، ويقال: أنا ابن اليوم، أي: أعتبر حالي فيما أنا فيه. وخذ قوله تعالى في سورة (آل عمران) رقم [١٤٠]: {وَتِلْكَ الْأَيّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النّاسِ} وانظر شرح اللّيل والنّهار في الآية رقم [٥١] الآتية.

{لا تَجْزِي نَفْسٌ..}. إلخ: لا تؤاخذ نفس بذنب أخرى، ولا تدفع عنها شيئا. تقول: جزى عنّي هذا الأمر، يجزي، كما تقول: قضى عنّي. وقرئ بضم التاء. قيل: هما بمعنى واحد، وقد فرق بينهما قوم. فقالوا: «جزى» بمعنى: قضى، وكافأ. و «أجزأ»: بمعنى: أغنى، وكفى.

وأجزأني الشيء، يجزئني، أي: كفاني. قال الشاعر: [الطويل]

وأجزأت أمر العالمين ولم يكن... ليجزي إلاّ كامل وابن كامل

<<  <  ج: ص:  >  >>