للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صلّى الله عليه وسلّم: «ما الإيمان بجانب الكفر إلا كشامة بيضاء في جلد ثور أسود». وفي رواية: «أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض، أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود».

وانظر سورة (المزمل) رقم [١٨]. وانظر قوله تعالى في سورة (الشورى) رقم [٧]: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}. هذا؛ وقد قال الزمخشري في تفسير الاية: يعني: فمنكم آت بالكفر وفاعل له، ومنكم آت بالإيمان، وفاعل له. وقد رد أحمد محشي الكشاف أقبح رد، وأشنعه.

الإعراب: {هُوَ:} ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. {الَّذِي:} اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية ابتدائية، أو مستأنفة، لا محل لها. {خَلَقَكُمْ:} فعل ماض، والكاف في محل نصب مفعول به، والفاعل يعود إلى {الَّذِي،} وهو العائد، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها. {فَمِنْكُمْ:} (الفاء): حرف عطف. (منكم): جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {كافِرٌ:} مبتدأ مؤخر، ولا أعتمده، وإنما أعتمد ما ذكرته في قوله تعالى: {فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ} سورة (الحديد) رقم [٢٦]، والجملة الاسمية معطوفة على جملة الصلة، أو على الجملة الاسمية: {هُوَ الَّذِي..}. إلخ. {وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ:} انظر مثل هذه الجملة في الاية الأخيرة من سورة (المنافقون): {وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ}.

{خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣)}

الشرح: {خَلَقَ:} أنشأ، وأوجد. والفرق بين خلق، وجعل الذي له مفعول واحد: أن الخلق فيه معنى التقدير، والجعل فيه معنى التضمين، ولذا عبر سبحانه في كثير من الايات عن إحداث النور، والظلمات بالجعل، فقال: {وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ} تنبيها على أنهما لا يقومان بأنفسهما، كما زعمت المجوس، بخلاف الخلق؛ لأن فيه معنى الإيجاد، والإنشاء، ولذا عبر سبحانه في كثير من الايات عن إيجاد السموات، والأرض بالخلق. وخصهما-جلت قدرته- بالذكر هنا وفي كثير من الايات؛ لأنهما أعظم المخلوقات فيما يرى العباد. وجمع السموات دون الأرض، وهي مثلهن؛ لأن طبقاتها مختلفة بالذات، متفاوتة بالصفات، والاثار والحركات.

وقدمها لشرفها، وعلو مكانها، وتقدم وجودها، ولأنها متعبد الملائكة، ولم يقع فيها معصية كما في الأرض. وأيضا لأنها بمنزلة الذكر، فنزول المطر من السماء على الأرض كنزول المني من الذكر في المرأة؛ لأنّ الأرض تنبت، وتخضر بالمطر.

{بِالْحَقِّ} أي: بالعدل، والقسط، محقا غير قاصد به باطلا، فإن المقصود من خلقهما إفاضة الخير على العباد، والدلالة على ذاته، وصفاته. {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ:} بأن خلقكم منتصبي القامة، بادي البشرة، متناسبي الأعضاء، والتخطيطات، متهيئين لمزاولة الصنائع، واكتساب

<<  <  ج: ص:  >  >>