{فَيَقُولُ:} الفاء: واقعة في جواب (أما). (يقول): فعل مضارع، والفاعل يعود إلى {الْإِنْسانُ}. {رَبِّي:} مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة، والياء في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {أَكْرَمَنِ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى {رَبِّي} والنون للوقاية، وياء المتكلم المحذوفة المدلول عليها بالكسرة في محل رفع فاعل، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول، وجملة:(يقول...) إلخ في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو الإنسان. هذا؛ وقرئ بإثبات ياء المتكلم، وحذفها في الفعلين {أَكْرَمَنِ} و {أَهانَنِ،} ولا يخفى عليك أن النون تسكن في الوقف، ومثل ذلك قول الأعشى -وهو الشاهد رقم [١٢٩] من كتابنا: «فتح رب البرية» -: [المتقارب]
فهل يمنعنّي ارتيادي البلا... د من حذر الموت أن يأتين؟
الشرح:(قدر): ضيق. {عَلَيْهِ رِزْقَهُ:} أعطاه على قدر البالغة، والحاجة. {فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ} أي: أذلني بالفقر، وأولاني هوانا بسببه. وهذه صفة الكافر؛ الذي لا يؤمن بيوم القيامة، والجزاء فيه، وإنما الكرامة عنده، والهوان بكثرة حظوظ الدنيا، وقلتها. فأما المؤمن؛ فالكرامة عنده أن يكرمه الله بطاعته، وتوفيقه المؤدي إلى حظوظ الآخرة، وإن وسّع عليه في الدنيا؛ حمده، وشكره.
قال القرطبي-رحمه الله تعالى-: قلت: الآيتان صفة كل كافر، وكثير من المسلمين يظن أن ما أعطاه الله لكرامته، وفضيلته عند الله، وربما يقول بجهله: لو لم أستحق هذا لم يعطنيه الله. وكذا إن قتر عليه يظن: أن ذلك لهوانه على الله. انتهى. وهذا ظن فاسد، وزعم كاذب، وخذ ما يلي:
فالرسول صلّى الله عليه وسلّم قال:«وإن الله عزّ وجلّ يعطي الدنيا من يحبّ، ومن لا يحبّ، ولا يعطي الدين إلا لمن أحبّ. فمن أعطاه الدّين؛ فقد أحبّه». من حديث ابن مسعود-رضي الله عنه-.
وعن أبي سعيد الخدري، -رضي الله عنه-أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«إن الله عزّ وجلّ ليحمي عبده المؤمن من الدنيا، وهو يحبه كما تحمون مريضكم الطعام والشراب». رواه الحاكم.
هذا؛ ولا تنس: أن الله جلت قدرته، وتعالت حكمته. قال:{اِبْتَلاهُ} في حالة الغنى، والسعة. وقال:{اِبْتَلاهُ} في حالة الفقر، والضيق. فهذا التصريح بأن الخير اختبار، وامتحان، والشر اختبار، وامتحان. كيف لا؟ وقد قال تعالى في سورة (الأعراف) رقم [١٦٨]: {وَبَلَوْناهُمْ}