العيص بن إسحاق. ومن نسل إسماعيل كانت العرب المستعربة، ثم كانت خاتمة المطاف بولادة سيدنا، وحبيبنا محمد صلّى الله عليه وسلّم خاتم النبيين من نسل إسماعيل.
الشرح:{وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصّالِحِينَ:} ذكرت لك أن هذه الآية دليل قاطع على أن الذبيح إنما هو إسماعيل؛ لأن هذه الجملة معطوفة على جملة:{فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ} والعطف يقتضي المغايرة، فدل العطف على أن القصة الماضية في غير إسحاق، وأجاب القائلون بأن الذبيح هو إسحاق: بأن البشارة الأولى كانت بأصل وجوده، والثانية كانت بنبوته. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: بشر بنبوته، وذهب إلى أن البشارة كانت مرتين، فعلى هذا الذبيح هو إسحاق، بشر بنبوته جزاء على صبره، ورضاه بأمر ربه، واستسلامه له.
{وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ} أي: ثنينا عليهما النعمة. وقيل: كثرنا ولدهما؛ أي: باركنا على إبراهيم، وعلى أولاده، وعلى إسحاق حين أخرج أنبياء بني إسرائيل من صلبه، وقد قيل: إن الكناية في: {عَلَيْهِ} تعود على إسماعيل، وأنه هو الذبيح. قال المفضل: الصحيح الذي يدل عليه القرآن: أنه إسماعيل، وذلك أنه قص قصة الذبيح، فلما قال في آخر القصة:{وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} ثم قال: {سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ (١٠٩) كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} وقال: {وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصّالِحِينَ (١١٢) وَبارَكْنا عَلَيْهِ} أي: على إسماعيل، وعلى إسحاق، كنى عنه؛ لأنه قد تقدم ذكره، ثم قال:{وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما} فدل على أنها ذرية إسماعيل، وإسحاق، وليس تختلف الرواة في أن إسماعيل كان أكبر من إسحاق بثلاث عشرة سنة. انتهى. قرطبي.
{وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ:} لما ذكر الله البركة في الذرية، والكثرة؛ قال: منهم محسن، ومنهم مسيء، وأن المسيء لا تنفعه بنوة النبوة، فاليهود، والنصارى، وإن كانوا من ولد إسحاق، والعرب وإن كانوا من ولد إسماعيل، فلا بد من الفرق بين المحسن، والمسيء، والمؤمن، والكافر، وقد حكى الله عن اليهود، والنصارى قولهم:{وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبّاؤُهُ} أي: أبناء رسل الله، فرأوا لأنفسهم فضلا، انظر الآية رقم [١٨] من سورة (المائدة).
هذا؛ و (محسن) معناه لنفسه بطاعة الله، وامتثال أوامره حيث يدخلها جنات تجري من تحتها الأنهار، ومحسن للناس أيضا، يبرهم، ويساعدهم، ويحسن إليهم بالقول أيضا، يرفق بهم، ويتلطف بهم، وظالم لنفسه بالكفر، أو بتعديه حدود الشرع من إهمال الطاعات، أو من اجتراح السيئات. وفي الآية الكريمة تنبيه على أن الخبيث، والطيب، لا يجري أمرهما على العرق، والعنصر، فقد يلد الفاجر البر، والبر الفاجر، ورحم الله من يقول:[الطويل]