للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآية السابقة. {ذِي:} صفة (عزيز) مجرور مثله، وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه من الأسماء الخمسة، و {ذِي} مضاف، و {اِنْتِقامٍ} مضاف إليه، والجملة الفعلية مستأنفة كالجملة الاسمية، لا محل لها مثلها.

{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (٣٨)}

الشرح: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ:} الخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم، والمسؤول منهم أهل مكة. {مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ:} ذكر الله من آثار قدرته، ودلائل عظمته خلق السموات، والأرض، وخصهما بالذكر هنا، وفي كثير من الآيات؛ لأنهما أعظم المخلوقات فيما يرى العباد، وجمع السموات دون الأرض، وهي مثلهن؛ لأن طبقاتها مختلفة بالذات، متفاوتة بالصفات، والآثار والحركات، وقدمها لشرفها، وعلو مكانها، وتقدم وجودها؛ لأنها متعبد الملائكة، ولم يقع فيها معصية، كما في الأرض، وأيضا: لأنها بمنزلة الذّكر، فنزول المطر من السماء على الأرض كنزول المني من الذكر في رحم الأنثى؛ لأن الأرض تنبت، وتخضر بالمطر. {لَيَقُولُنَّ اللهُ:} لما تقرر في العقول من وجوب انتهاء الممكنات إلى واحد واجب الوجود، بمعنى: إن هؤلاء المشركين مقرون وجودهم بوجود الإله القادر، العالم الحكيم، وذلك متفق عليه عند جمهور الخلائق، فإن فطرة الخلق شاهدة بذلك: أنها من ابتداع قادر حكيم، وانظر الإرادة في الآية رقم [٤].

{قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ} أي: أخبروني بعدما تحققتم: أن الخالق لهذا العالم هو الله وحده، أخبروني عن حال هذه الآلهة؛ التي تعبدونها من دون الله. {إِنْ أَرادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ:} أخبروني: لو أراد الله أن يصيبني بشدة وبلاء؛ هل تستطيع هذه الأصنام أن تدفع عني ذلك السوء، والضر؟! {أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ} أي: ولو أراد الله بي نفعا من نعمة، وصحة، وسعة في الرزق ورخاء في المعيشة؛ هل تستطيع أن تمنع عني هذه الرحمة؟! والجواب محذوف لدلالة الكلام عليه، يعني فسيقولون: لا، لا تكشف السوء، ولا تمنع الرحمة. قال مقاتل: سألهم النبي صلّى الله عليه وسلّم فسكتوا. وقال غيره: قالوا: لا تدفع شيئا قدّره الله، ولكنها تشفع، وخذ ما يلي:

عن عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما-قال: كنت خلف النبي صلّى الله عليه وسلّم يوما (راكبا خلفه).

فقال: «يا غلام إنّي أعلمك كلمات، احفظ الله؛ يحفظك، احفظ الله؛ تجده تجاهك. إذا سألت؛ فاسأل الله، وإذا استعنت؛ فاستعن بالله. واعلم: أنّ الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك

<<  <  ج: ص:  >  >>