الشرح:{وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ:} ولا يصرفنكم الشيطان عن توحيد الله، وعبادته بأن تغتروا بوساوسه، وزخارفه. والخطاب في هذه الآية وسابقتها يشمل الكافرين، والمؤمنين، بل هو بالمؤمنين أليق؛ لأنهم يعلمون عداوة الشيطان لهم أكثر من الكافرين. {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ:}
عداوته لكم ثابتة من قديم الأزل؛ حيث أخرجكم من الجنة، وعرّضكم للبلية؛ بسبب إخراجه أباكم من الجنة.
هذا؛ و {عَدُوٌّ} ضد الصديق، وهو على وزن فعول بمعنى: فاعل، مثل: صبور، وشكور، وما كان على هذا الوزن في سورة (الشعراء) يستوي فيه المفرد، والمثنى، والجمع، والمذكر، والمؤنث، إلاّ لفظا واحدا جاء نادرا، قالوا: هذه عدوة الله. قال تعالى:{إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} فقد عبّر به عن مفرد، وقال تعالى في سورة (الشعراء) حكاية عن قول إبراهيم-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاّ رَبَّ الْعالَمِينَ} فقد عبّر به عن جمع، كما هو واضح، ومثل ذلك صديق، كما في قوله تعالى في سورة (النور) رقم [٦١]: {أَوْ صَدِيقِكُمْ} وأيضا {ظَهِيرٌ} في الآية رقم [٤] من سورة (التحريم): {وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ}.
وفي القاموس المحيط: والعدا بالضم، والكسر: اسم الجمع. هذا؛ وسمي العدو عدوا لعدوه عليك عند أول فرصة تسنح له للإيقاع بك، والقضاء عليك، كما سمي الصديق صديقا لصدقه فيما يدعيه لك من الألفة، والمودة، والمحبة.
الإعراب:{وَلا:} الواو: حرف عطف- (لا): ناهية. {يَصُدَّنَّكُمُ:} فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة التي هي حرف لا محلّ له، وهو في محل جزم ب:(لا) الناهية، والكاف مفعوله. {الشَّيْطانُ:} فاعله، والجملة الفعلية معطوفة على جملة:{فَلا تَمْتَرُنَّ بِها} لا محل لها مثلها. {إِنَّهُ:} حرف مشبّه بالفعل، والهاء اسمه. {لَكُمْ:} جار ومجرور متعلقان ب: {عَدُوٌّ} أو ب: {مُبِينٌ} بعدهما. {عَدُوٌّ:} خبر: (إن). {مُبِينٌ:} صفة له، والجملة الاسمية تعليل للنهي، لا محلّ لها.
الشرح:{وَلَمّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: إحياء الموتى، وإبراء الأسقام، وخلق الطير، والمائدة، وغيرها، والإخبار بكثير من الغيوب. {قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ} أي: بالنبوة، أو بالإنجيل، أو بالشريعة. والحكمة علم ما يؤدي إلى الجميل، ويكف