{قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ:} لقد ذكر ابن هشام رحمه الله تعالى في مغني اللبيب في هذه الجملة وأمثالها إعرابا، فأنا أنقله لك باختصار، فقال-رحمه الله تعالى-: {ما:} محتملة لثلاثة أوجه:
أحدها: الزيادة، فتكون لمجرد تقوية الكلام، فتكون حرفا باتفاق، وقليلا في معنى النفي، وإما لإفادة التقليل، مثلها في:(أكلت أكلا ما) وعلى هذا فيكون تقليلا بعد تقليل.
الوجه الثاني: النفي، وقليلا نعت لمصدر محذوف، أو لظرف محذوف، أي تذكرا قليلا، أو زمنا قليلا.
الثالث: أن تكون مصدرية، وهي وصلتها فاعل ب:(قليل)، وقليلا حال معمول لمحذوف دل عليه المعنى؛ أي: تذكروا فأخروا قليلا تذكرهم. أجازه ابن الحاجب، ورجّح معناه على غيره. انتهى. بتصرف كبير، ولم يذكر إعراب قليلا على الوجه الأول، وذكر سليمان الجمل الوجه الأول واعتبر قليلا نعتا لمصدر محذوف، مثل اعتباره في الوجه الثاني، وذكر أبو البقاء الثاني، وقال: التقدير: فما يتذكرون قليلا، ولا كثيرا. وجملة:{قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ} تعليلية لا محل لها من الإعراب، وهذا الإعراب مأخوذ من إعراب ابن هشام لقوله تعالى:{فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ} وهي الآية رقم [٨٨] من سورة (البقرة).
الشرح:{أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ:} يرشدكم، ويدلكم. {فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ:} إذا سافرتم إلى البلاد التي تتوجهون إليها بالليل والنهار. وقيل: جعل مفاوز البر؛ التي لا أعلام لها، ولجج البحار كأنها ظلمات؛ لأنها ليس لها علم يهتدى به، والاهتداء في تلك الظلمات يكون بالنجم، وغيره، كما قال تعالى:{وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} وانظر شرح البر والبحر في الآية رقم [٥٩] من سورة (الأنعام).
{وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ:} يبعثها. ويقرأ: «(الريح)» بالإفراد. {بُشْراً:} جمع: بشير، وهو بضم الباء وسكون الشين، ويقرأ بضمتين، ويقرأ: «(نشرا)» بضم النون مع ضم الشين وسكونها على أنه جمع: نشور بمعنى: ناشر، كطهور بمعنى: طاهر، ويجوز أن يكون جمع: نشور بمعنى:
منشور، ويقرأ: «(نشرا)»، بفتح النون، وسكون الشين على أنه مصدر نشر بعد الطي كما يقرأ:
«(بشرى)» على وزن: حبلى، أي: ذات بشارة، وكما يقرأ: «(بشرا)» بفتح الباء، وسكون الشين، وهو مصدر: بشرته: إذا بشرته.
{بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} أي: أمام المطر؛ الذي هو رحمته، وإنما سماه الله: رحمة؛ لأنه سبب لحياة الأرض، وحياتها حياة للإنسان والحيوان، وكل شيء، كما هو مشاهد. و {بَيْنَ يَدَيْ}