للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الياء... إلخ، والجملة الاسمية: {وَأَنْتَ..}. إلخ في محل نصب حال من الفاعل المستتر بالفعل: (ارحمنا)، والرابط: الواو، والضمير.

{فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (١١٠)}

الشرح: {فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا:} فجعلتموهم هزآ، وسخرية تسخرون منهم. هذا؛ ويقرأ بكسر السين، وضمها هنا، وفي سورة ص رقم [٦٣]. قال النحاس: وفرّق أبو عمرو بينهما، فجعل المكسورة من جهة التهزؤ، والمضمومة من جهة السخرة، ولا يعرف هذا التفريق الخليل، ولا سيبويه، ولا الكسائي، ولا الفراء. قال الكسائي: هما لغتان بمعنى واحد، كما يقال:

عصيّ وعصيّ، ولجيّ ولجيّ. وحكى الثعلبي عن الكسائي، والفراء الفرق الذي ذكره أبو عمرو، وأن الكسر بمعنى الاستهزاء، والسخرية بالقول، والضم بمعنى التسخير، والاستعباد بالفعل.

وقال المبرد: إنما يؤخذ التفريق بين المعاني عن العرب، وأما التأويل فلا يكون، والكسر في سخري في المعنيين جميعا؛ لأن الضمة تستثقل في مثل هذا. انتهى. قرطبي. هذا؛ وسخريا على اللغتين مصدر «سخر»، زيدت فيهما ياء النسبة للمبالغة.

{حَتّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي} أي: أنساكم اشتغالكم بالاستهزاء بهم ذكري؛ أي: توحيدي، والإيمان بي، فلم تخافوني، ولم تحفظوا كرامة أوليائي. {وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ:} استهزاء بهم، وأضاف سبحانه الإنساء إلى المؤمنين؛ لأنهم كانوا سببا لاشتغالهم عن ذكره، وتعدي شؤم استهزائهم بالمؤمنين إلى استيلاء الكفر على قلوبهم.

قال القرطبي-رحمه الله تعالى-وينظر إلى معنى هذا قوله تعالى في آخر المطففين: {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفّارِ يَضْحَكُونَ} إلى آخر السورة، ويستفاد من هذا: التحذير من السخرية والاستهزاء بالضعفاء والمساكين، والاحتقار لهم، والإزراء عليهم، والاشتغال بهم فيما لا يعني، وأن ذلك مبعد من الله، عز وجل. انتهى.

أقول: فإذا كان هذا في حق الكفار الذين كانوا يسخرون بالمؤمنين؛ فالمسلمون أحق بهذا الوعيد والتهديد؛ إذا كانوا يسخرون بإخوانهم المؤمنين، وقد وردت أحاديث كثيرة تشدد النكير على الذين يهزؤون بالناس، فعن الحسن-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ المستهزئين بالناس يفتح لأحدهم في الآخرة باب إلى الجنّة، فيقال له: هلمّ! فيجيء بكربه، وغمّه، فإذا جاءه؛ أغلق دونه، ثمّ يفتح له باب آخر، فيقال له: هلم! فيجيء بكربه، وغمّه، فإذا جاءه أغلق دونه، فما يزال كذلك، حتّى إنّ أحدهم ليفتح له الباب من أبواب الجنة، فيقال له: هلمّ فما يأتيه من الإياس». رواه البيهقي مرسلا، وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التّقوى هاهنا، التقوى هاهنا،

<<  <  ج: ص:  >  >>