للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن الصّواب، والاستقامة، وانظر الآية رقم [٦٠] ورقم [٨٨]. وإنّما ذكر سبحانه في الآية الأولى:

{فَقَدِ افْتَرى} لأنّها متصلة بقصّة أهل الكتاب، ومنشأ شركهم نوع افتراء، وهو دعوى التبنّي.

تنبيه: نزلت الآية الأولى في حقّ وحشي قاتل الحمزة-رضي الله عنه-، وهي متّصلة بالكلام على أهل الكتاب، فهي ترغّبهم في الإيمان. ونزلت هذه الآية في ترغيب طعمة بن أبيرق بالتّوبة، والرّجوع إلى الإيمان، فلا تكرار في الكلام.

هذا؛ وقيل: جاء شيخ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقال: إنّي شيخ منهمك في الذنوب، والمعاصي، إلا أنّي لم أشرك بالله شيئا منذ عرفته، وآمنت به، ولم أتّخذ من دونه وليّا، ولم أقع في المعاصي جراءة على الله، ولا مكابرة له، وما توهّمت طرفة عين أنّي أعجز الله هربا، وإني لنادم تائب، فما ترى حالي عند الله تعالى؟ فنزلت الآية الكريمة. وسبق إعراب مثل هذه الآية.

{إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاّ إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاّ شَيْطاناً مَرِيداً (١١٧)}

الشرح: {إِنْ يَدْعُونَ:} ما يعبدون؛ أي: الكفار. {مِنْ دُونِهِ:} من دون الله. {إِلاّ إِناثاً:} المراد بها: الأصنام المسمّاة باللات، والعزى، ومناة، ونحوها، كان لكلّ حيّ صنم يعبدونه، ويسمّونه: أنثى بني فلان، وذلك لتأنيث أسمائها، أو لأنّه كانت جمادات، والجمادات تؤنّث من حيث ضاهت الإناث لانفعالها، أي: لخلقها، ومن حقّ المعبود أن يكون خالقا.

وقيل: أنّثت؛ لأنّهم كانوا يقولون في أصنامهم: هنّ بنات الله. وقيل: لأنّهم كانوا يلبسونها أنواع الحلي، ويزيّنوها على هيئات النّساء.

{شَيْطاناً مَرِيداً:} لأنّه هو الذي أمرهم بعبادتها، فكانت طاعته في ذلك عبادة له. ونظيره في المعنى قول الله عزّ وجل في سورة (التوبة): {اِتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ} أي: أطاعوهم فيما أمروهم به، لا أنهم عبدوهم. وانظر شرح «الشيطان» في الآية رقم [٧٦]. هذا؛ وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: لكلّ صنم شيطان يدخل في جوفه، ويتراءى للسّحرة، والكهنة، ويكلّمهم: فلذلك قال الله تعالى: {وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاّ شَيْطاناً مَرِيداً}.

هذا؛ و (مريد) هو الذي بلغ النهاية في الشرّ، والفساد، يقال: «مرد» من بابي: نصر، وظرف: إذا عتا، وتجبر؛ فهو مارد، ومريد. هذا؛ وأصل (دون) من الدّون، وهو: القرب، ومثله: أدنى، قال تعالى في الآية رقم [٤]: {ذلِكَ أَدْنى أَلاّ تَعُولُوا} ومنه تدوين الكتب؛ لأنّه إدناء؛ أي: تقريب البعض من البعض، ثمّ استعير للرّتب، فيقال: زيد دون عمرو؛ أي: في الشرف، والسيادة، ثم اتّسع فيهما، فاستعملا في كلّ تجاوز حدّ إلى حدّ، وتخطّي حكم إلى حكم، قال تعالى في سورة (آل عمران) رقم [٢٨]: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} أي: لا يتجاوز وقاية المؤمنين إلى الكافرين، وقال أميّة بن أبي الصّلت: [البسيط]

<<  <  ج: ص:  >  >>