للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحصر للسائلين عن مدة خلق الأرض، وما فيها. والجملة الاسمية على هذا التقدير مستأنفة، لا محل لها. وقال مكي: ومن رفع {سَواءً} ف‍: {لِلسّائِلِينَ} الخبر، وليس بشيء يعتد به.

{ثُمَّ اِسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (١١)}

الشرح: {ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ} أي: عمد إلى خلقها، وقصد لتسويتها، والاستواء من صفة الأفعال على أكثر الأقوال، يدل عليه قوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [٢٩]: {ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ،} أو هو من صفات الذات، من قولهم: استوى إلى مكان كذا؛ إذا توجه إليه توجها لا يلوي على غيره، ومعناه هنا، وفي سورة (البقرة) غير معناه في سورة (الرعد) رقم [٢] وفي سورة (السجدة) رقم [٤] وفي سورة (طه) رقم [٥]. انظر شرح هذه الآيات في محالها. {وَهِيَ دُخانٌ:} ذلك الدخان كان بخار الماء. قيل: كان العرش قبل خلق السموات، والأرض على الماء، فلما أراد الله تعالى أن يخلق السموات، والأرض؛ أمر الريح، فضربت الماء، فارتفع منه بخار كالدخان، فخلق منه السماء، ثم أيبس الماء، فخلقه أرضا واحدة، ثم فتقها، فجعلها سبعا، قال تعالى في سورة (الأنبياء) رقم [٣٠]: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما}. هذا؛ والدخان: ما ارتفع من لهب النار، ويستعار لما يرى من بخار الأرض عند جدبها، وقياس جمعه في القلة: أدخنة، وفي الكثرة: دخيان، مثل: غراب، وأغربة، وغربان، وقوله تعالى: {وَهِيَ دُخانٌ} من باب التشبيه الصوري؛ لأن صورتها صورة الدخان في رأي العين. هذا؛ وما في هذه الآية يؤيد ما اكتشف في هذا العصر من أن مادة الكون بدأت غازا منتشرا خلال الفضاء بانتظام، وأن المجموعات الفلكية خلقت من تكاثف الغاز، فالقرآن صور مصدر خلق هذا الكون بالدخان، وهو الشيء الذي يفهمه العرب من الأشياء الملموسة، أيكون في مقدور أميّ منذ أربعة عشر قرنا أن يدرك هذا في وقت كان الناس لا يعرفون شيئا عن هذا الكون، وخفاياه؟!

وكذلك قوله تعالى في سورة (الأنبياء) رقم [٣٠]: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً..}. إلخ يؤيد العلم الحديث الذي قرر أن الكون كان شيئا واحدا متصلا من غاز، ثم انقسم إلى سدائم، وعالمنا الشمسي كان نتيجة تلك الانقسامات. وانظر ما ذكرته هناك في تفسير هذه الآيات عن ابن عباس وغيره، وصدق الله رب العالمين؛ إذ يقول: {هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ} كل ذلك دليل قوي على أن القرآن وحي إلهي مصداقا لقوله تعالى في سورة (النجم): {إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى}.

قال الخازن: فإن قلت: هذه الآية مشعرة بأن خلق الأرض كان قبل خلق السماء، وقوله تعالى في سورة (النازعات): {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها} رقم [٣٠] مشعر بأن خلق الأرض بعد خلق

<<  <  ج: ص:  >  >>