عالم، وليس على بابه من التفضيل، ومثل الآيتين قول الفرزدق-وهو الشاهد رقم [١١٢] من كتابنا: «فتح رب البرية» -: [الكامل]
إنّ الّذي سمك السّماء بنى لنا... بيتا دعائمه أعزّ وأطول
إذ المعنى: عزيزة وطويلة، وأيضا قول الشنفرى الأزدي-وهو الشاهد رقم [٩٦٥] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» -: [الطويل]
وإن مدّت الأيدي إلى الزّاد لم أكن... بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل
الإعراب:{إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {رَبَّكَ:} اسم {إِنَّ،} والكاف في محل جر بالإضافة من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {هُوَ:} ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. {أَعْلَمُ:} خبره، والجملة الاسمية في محل رفع خبر {إِنَّ،} وإن اعتبرت {هُوَ} ضمير فصل ف: {أَعْلَمُ} يكون خبر {إِنَّ}. والجملة الاسمية تعليل لما قبلها. {بِمَنْ:} جار ومجرور متعلقان ب: {أَعْلَمُ،} و (من) تحتمل الموصولة، والموصوفة، فهي مبنية على السكون في محل جر بالباء.
{ضَلَّ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى (من)، وهو العائد، أو الرابط، والجملة الاسمية:{وَهُوَ أَعْلَمُ} معطوفة على ما قبلها، فهي في محل رفع مثلها، ويجوز اعتبارها في محل نصب حال من فاعل {أَعْلَمُ} المستتر، والأول أقوى. {بِالْمُهْتَدِينَ:} جار ومجرور متعلقان ب: {أَعْلَمُ}.
الشرح:{فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ} أي: فلا تطع رؤساء الكفر والضلال فيما يدعونك إليه، وقد كذبوا برسالتك، وحاربوا دعوتك. وكانوا قد دعوه إلى الرجوع إلى دين آبائه وأجداده، فنهاه الله أن يطيعهم. وهذا من الله إلهاب، وتهييج للتشدد في مخالفتهم. {وَدُّوا:} أحبوا، وأرادوا. {لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ:} أصل الإدهان: اللين، والمصانعة، والمقاربة في الكلام. وقيل: أدهن الرجل في دينه، وداهن في أمره: إذا خان فيه، وأظهر خلاف ما أبطن. ومعنى الآية: أنهم تمنوا أن تترك بعض ما أنت عليه مما لا يرضوانه مصانعة لهم، فيفعلوا مثل ذلك، ويتركوا بعض ما لا ترضى به، فتلين لهم، ويلينون لك. هذا؛ والمشهور: أن رهطا من قريش أتوا النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقالوا: يا محمد هلمّ اتبع ديننا، ونتبع دينك، ونشركك في ديننا كله، تعبد آلهتنا سنة، ونعبد إلهك سنة، فإن كان الذي جئت به خيرا كنا قد شركناك فيه، وأخذنا حظنا منه، وإن كان الذي بأيدينا خيرا كنت قد شركتنا في أمرنا، وأخذت بحظك منه! فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «معاذ الله أن أشرك به غيره!». قالوا: فاستلم بعض آلهتنا؛ نصدقك، ونعبد إلهك! قال:«حتى أنظر ما يأتي من ربي»، فأنزل الله:{قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ..}. إلخ السورة بكاملها.